Translate

Tuesday, June 9, 2020

- المصري اليوم د. محمد أبوالغار يكتب: هل تتغير نظم الحكم فى العالم بعد الوباء؟ - ٩/ ٦/ ٢٠٢٠

قارن الصحفى الهندى الشهير ناندراج بين وباء الأنفلونزا الحالى فى الهند، ووباء الأنفلونزا الإسبانية عام ١٩١٨ الذى قتل ١٠ ملايين هندى.. ولاحظ نفس التخبط فى ممارسة الحكومة الهندية الآن وسياسة الحكومة البريطانية الحاكمة منذ مائة عام. وفشلت مصلحة الصحة العمومية فى تطبيق سياسة التباعد الاجتماعى واستخدام الأقنعة والمطهرات واحتواء الوباء فى كلتا الحالتين. ويتساءل الكاتب عن أثر الوباء الحالى الذى صاحبه تقييد فى حقوق الإنسان وفقدان الوظائف والإحساس بعدم الأمان وعدم الاطمئنان للمستقبل، وقالوا إن ذلك سوف يؤدى إلى تغيرات اجتماعية وسياسية غير محدودة النهاية، مثلما حدث عام ١٩١٨ حين تكونت قيادات جديدة ونظام سياسى جديد بسبب الضغوط من الفقراء، واتساع الفروق فى الدخول، وانهيار الأعمال المتوسطة والصغيرة، وقال إنه لابد من إصلاح النظام الصحى وتوسيعه وتحسينه مع تغيير القيادات الصحية الحالية ومع تقوية البحث العلمى والاعتماد عليه. النظام الذى خرج من عباءة الوباء فى ١٩١٨ هو الذى قاد معركة التحرير ضد إنجلترا.
حدث فى مصر فى نفس التوقيت عام ١٩١٨ شىء مشابه، فخلال الحرب العالمية الأولى قامت السلطات البريطانية بتقليص ميزانية الصحة، وقامت بالتجنيد القصرى للآلاف من الفلاحين المصريين فى فيلق العمال الذى صاحب الجيش البريطانى، وكان لذلك أثر اقتصادى كبير على تقليص المساحة المزروعة بسبب نقص العمالة، مع غضب شديد بين الفلاحين بسبب القهر، وأدى ارتفاع الأسعار إلى نقص شديد فى غذاء الفلاح المصرى تسبب فى ضعف شديد وظهور أمراض نقص التغذية، وعندما حلت الأنفلونزا فى نهاية عام ١٩١٨ قتلت ما يقرب من ١٨٠ ألف مواطن من تعداد ١٣ مليونا، أى واحد ونصف بالمائة، وهو ما يساوى موت مليون ونصف مواطن بتعداد اليوم.
الغضب الشديد أدى إلى اضطراب كبير فى الريف المصرى ومقتل ٢٠٠ شرطى وإصابة عدد من العمد وشيوخ الغفر بواسطة الفلاحين عام ١٩١٨ فى حوادث متفرقة فى محافظات مختلفة، وهو الذى تحول إلى ثورة كاملة فى مارس ١٩١٩ اندمجت مع ثورة المدن التى قادها سعد زغلول، والتى انتهت كما حدث فى الهند بتغيير سياسى جذرى، وتغيير فى نظام الحكم فى مصر وظهور قيادات جديدة وبرلمان ودستور حديث، وتقليص للنفوذ البريطانى.
ما يحدث فى الولايات المتحدة الآن هو أمر أكبر بكثير من مقتل شاب أسود على يد شرطى أبيض. فهو أمر تكرر مرات كثيرة وصاحبه غضب تفاوتت حدته من فترة إلى أخرى.
الحادث رهيب، وقسوة الشرطى تفوق الخيال، وعدم تدخل بقية الشرطة لإنقاذ الشاب إهانة للإنسانية. الغضب فى أمريكا يتعدى هذا الحادث البشع لأنه أيضاً غضب على تصرفات الرئيس الشخصية ولغته وقراراته، وكان إعلانه المتكرر عن عدم اهتمامه بالإنسان والصحة والبيئة فى سبيل تحسين الاقتصاد أمراً مستفزاً لقاعدة أمريكية كبيرة، وكان تشجيعه للنظم الديكتاتورية وإعجابه بالفاشية واعتبار بوتن ونظامه شيئاً رائعاً أمراً غريباً.
ولكن وباء الأنفلونزا أظهر فشل القيادة من اللحظة الأولى، حين أهمل الرئيس جميع التقارير التى وصلته عن الوباء وانتشاره، وقال إن هذا كلام فارغ. وعندما انتشر الفيروس فى أمريكا اتضح ضعف النظام الصحى الذى كان يحاول ترامب تقليصه بإلغاء التطوير الإيجابى الذى أجراه أوباما فى النظام الصحى. وعندما قتل الفيروس أكثر من مائة ألف أمريكى اتضح أن النسبة الأكبر من الوفيات كانت ضمن السود، وذلك لضعف صحتهم ومناعتهم ومقاومتهم للمرض ومعيشتهم فى أماكن ضيقة محدودة وبسبب انخفاض دخولهم المادية ومستوى تعليمهم. أظهر وباء الأنفلونزا ثم حادثة مقتل الشاب الأسود أن هناك مشكلة فى القيادة الأمريكية. الأنفلونزا ربما تكون السبب فى خروج الرئيس من البيت الأبيض، بينما كان من المؤكد نجاحه قبل ظهورها.. وربما يلى ذلك تغيير فى نظام الصحة، وتغيير بعض السياسات التى قد تنعكس على العالم كله، بدءاً من أوروبا الشرقية، نهاية بالعالم الثالث.
ولكن.. ما تأثير الوباء علينا فى مصر؟ نحن دولة من دول العالم الثالث المأزومة اقتصادياً كبقية الدول المشابهة، وأظهر الوباء ضعف النظام الصحى المصرى، وهو أمر معروف مسبقاً، وعلاوة على سوء إدارة القطاع الطبى فإن ميزانية الصحة شديدة التدنى، وأعتقد أنه لابد أن يحدث تعديل جذرى فى ميزانية الصحة وطريقة أدائها، والتى تحتاج إلى إدارة سياسية وفنية محترفة.
الاقتصاد المصرى سوف يتأثر بشدة، دَخْل السياحة توقف تماماً، دَخل قناة السويس انخفض، تحويلات العمالة المصرية من الخارج واستمرارها بنفس المستوى أمر مشكوك فيه، لأن الوباء سوف يحدث تغييرات جذرية فى الدول التى تستخدم العمالة.. انخفاض سعر البترول واستهلاكه سوف يقلل من احتمالات المساعدات من دول الخليج. ارتفاع نسبة البطالة وإفلاس عدد من الأعمال الصغيرة والمتوسطة أمر غاية فى الخطورة، وسوف يؤدى إلى تآكل أكثر فى الطبقة الوسطى، ويتصادف ذلك مع مشاكل إقليمية من سد إثيوبيا ومخاطره، وما يحدث فى ليبيا من تدخل ميليشيات خارجية.. كل ذلك يعنى أن هناك مخاطر حقيقية.
أثبت التاريخ القديم والحديث أن الأوبئة يتلوها تغيرات اقتصادية وسياسية ضخمة، وانهيار إمبراطوريات. ومنذ أن ذكر ذلك ابن خلدون فى مقدمته، تكرر ذلك مراراً بعد كل وباء كبير. التغيرات التى سوف تحدث فى أمريكا وأوروبا ستكون كبيرة ولكنها محكومة بأنها دول مستقرة، أما دول العالم الثالث الفقيرة وكثيفة السكان فالمخاطر عليها كبيرة، وعلينا فى الوطن الغالى أن نأخذ جانب الحذر لحماية مصرنا العزيزة.
«قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك»

No comments:

Post a Comment