Translate

Friday, August 27, 2021

لماذا نخاف من التفكير؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 26/8/2021

 خايف تفكر؟! سؤال طرحه الرئيس فى مداخلته المهمة على قناة «صدى البلد» مع الإعلامية عزة مصطفى. سؤال يحمل معنى الاستفهام والاستنكار، لماذا نخاف من التفكير، رغم أن أول مطلب قرآنى لنا كان اقرأ، فكر، ابحث، تدبّر، تعقّل، لكننا حتى هذه اللحظة ما زلنا مرعوبين من هذه المهمة التى باتت قاسية علينا، مهمة التفكير.

نحن نخاف من التفكير لأننا نخاف من المواجهة، نحن نخاف من التفكير لأننا نعشق سكن الشرنقة والكهف والخندق والمستقر والمألوف والدافئ. مرادف المغامرة عندنا هو الموت فى غياهب التيه، التفكير نعتبره بدعة وكل بدعة ضلالة، المريض عندنا نشخّصه بأنه يعانى من «الفكر»!!

نحن نفزع من التغيير والتجديد، التفكير يعنى بذل الجهد ونحن قد حسمنا المسألة أن خير القرون قد مضى وولّى، وأن العقل، كما وصفه أحد الدعاة، هو مجرد حمار يوصلك إلى باب البيت ثم تتركه! التفكير يعنى طرح السؤال وإثارة علامات الاستفهام، والسؤال لدينا تطفّل وعلامة الاستفهام خطيئة، والتربة الراكدة بعفنها أفضل لدينا من تقليبها، والبركة بركودها أنقى عندنا وأصفى من النهر الجارى!!

السؤال يعنى أن كل الماضى والمعتقدات على طاولة التشريح معرضة لمشرط البحث والفضول، وهذا مرعب لمن تعوّد على التخفى والأغطية واللفافات السميكة على العقل المستقبل الكسول، التفكير يعنى أن نحتفظ ببقايا دهشة الطفل وهذا فى رأينا عبث و«لعب عيال»، التفكير يعنى أن نحتفظ بخيالنا متوهجاً، ونحن فى عداء مزمن مع الخيال، فالتعليم معناه عندنا أن ندخل قفص الدواجن لا أن نحلّق مع النوارس.

كل سنة دراسية يتقلص خيالنا معها بالمذكرات المحفوظة والتلقين المكرر حتى نصير علباً محفوظة معبأة ومشحونة مسبقاً بما سنتقيأه على الورق فى ماراثون الامتحان، نتعلم: «لا تناقش ولا تجادل يا أخى»، نرى الطفل المتسائل طفلاً زناناً وأحياناً ابن موت، طفلاً مزعجاً لأنه يفكر.

يصرخ فينا رجال دين: «إياك أن تقترب من نقد التراث»، ويتهمونك بالازدراء ويجرجرونك إلى السجن لأنك فكرت وتدبرت وقرأت، هم يريدون الدين احتكاراً، يحتكرون الدين ويحتقرون التفكير فيه، يطاردون حتى زميلهم رجل الدين الذى ينادى بإعادة القراءة فى ظل متغيرات العصر الحديث، يتعاملون مع الدين كعزبة خاصة لا يقترب من حدودها أحد إلا حاشيتهم.

مَن يفكر، يُطرد من جنتهم، التفكير يقود إلى التكفير، وهو ما يجعل مَن يتصدى للتنوير خائفاً من مصير التكفير وتهم الرِّدة التى تنتهى بالقتل سواء القتل المادى أو المعنوى. لا تخافوا من التفكير، امتلكوا جسارة إعادة النظر فى البديهيات أو ما كنتم تظنونه من البديهيات، انتصروا للجزء العقلانى من تراثنا وانفضوا تراب النسيان والتواطؤ عنه، اعرضوا مشاكل العصر على ترجمان العصر، العقل الواعى الجرىء، انتصروا لثقافة الحياة وشيّعوا ثقافة الموت إلى مثواها الأخير.


No comments:

Post a Comment