Translate

Friday, December 3, 2021

لماذا نجيب محفوظ هو الأعظم؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/12/2021

 سألنى البعض بعد مقال الأمس عن سر كتابتى واحتفائى المتكرر بنجيب محفوظ، هل لأننا فى شهر ديسمبر؟ أم لأنه حصل على نوبل؟ قلت: نجيب محفوظ لا يحتاج لذكرى ميلاد أو وفاة لكى نتحدث عنه، وأيضاً هو قبل نوبل وبعد نوبل وبدون نوبل هو الأعظم والأكثر عبقرية بين الروائيين المصريين والعرب، والعجيب أن هناك بعض من يكتبون الرواية يحملون ضغينة وكراهية لنجيب محفوظ، وهذا من أغرب المشكلات النفسية التى أجدها عند بعض المثقفين، أن يكون جواز مرورهم للشهرة هو الهجوم على محفوظ، فلينتقدوه، هذا واجب وفرض، ولكن طعم الغيرة ولهجة العدوانية والغل عند الحديث عنه خاصة من الروائيين غير المتحققين تكون واضحة وظاهرة للأعمى، لماذا نجيب محفوظ الأعظم؟ أسباب كثيرة تجعله الأعظم والأفضل والأهم، أولها أن لديه مشروعاً روائياً متكاملاً، فهو الأغزر إنتاجاً بدون أى تنازل فنى، الأعظم لأن الفلسفة التى سكنته منذ أن كان فى كلية الآداب كانت أحجار بناء فكره الروائى، وكان النفس الفلسفى المتسائل المتشكك دائماً خلف السطور، الأعظم لأنه ابن بار لفترة التنوير المصرية وظل ابناً لسلامة موسى ولطفى السيد وطه حسين وثورة ١٩ حتى النفس الأخير، الأعظم لأنه ظل مخلصاً لفن القص والحكى والرواية ولم يستهلك موهبته فى كتابة المقالات الصحفية، التى تستنزف معظمنا، فنصبح جميعاً خونة لموهبة الكتابة الفنية التى لا تقبل «ضرة»، الأعظم لأنه ظل موظفاً عند فنه طوال عمره، يدخل إلى مكتبه كل يوم فى نفس التوقيت ليكتب أو يستعد للكتابة أو ليقرأ أو ليتأمل، لكنه نفس الطقس اليومى، حتى إن صديقه محمد عفيفى أطلق عليه اسم رجل الساعة، الأعظم لأنه كان متواضعاً وقبل أن يكون تلميذاً عند صلاح أبوسيف الذى علمه فن السيناريو، لم يفرد عضلاته قائلاً أنا نجيب محفوظ فمن هذا الذى سيعلمنى الكتابة؟ الأعظم لأنه بعد محاولة الاغتيال عافر وكتب أحلام فترة النقاهة بكل عمقها الفلسفى وبساطتها الآسرة، الأعظم لأنه أهدى من حاول اغتياله مجموعة رواياته ليقرأها فى السجن ويتعرف على من حاول قتله دون أن يقرأ له حرفاً، الأعظم لأنه من كبار الساخرين المصريين وظرفاء المحروسة، والسخرية لو تعلمون من أهم معايير ومقاييس الذكاء، الأعظم لأنه برغم ندرة سفرياته ورحلاته خارج مصر فإنه استوعب ثقافات العالم وهضمها وهو فى غرفة مكتبه، الأعظم لأنه قرر أن تكون كل آرائه السياسية على صفحات رواياته، لأنه يدرك أن الفنان الحقيقى فى العالم الثالث لا بد أن يحتفظ بمسافة بينه وبين السلطة، الأعظم لأنه كان بسيطاً متسامحاً، حتى نزواته لم يتعالَ عليها واعترف بها ولم يصنع لنفسه تمثالاً من تقوى مزيفة أو ورع متصنع، الأعظم لأنه مصرى حتى النخاع، لم يطرق باب أمير أو سلطان أو رجل أعمال، بل هم الذين طرقوا بابه، وظل حتى النهاية يأكل من عرق جبينه ومداد قلمه، يكفى أن نقول نجيب محفوظ لنعرف من هو الأعظم.


No comments:

Post a Comment