Translate

Monday, April 21, 2014

طريقنا الى الأخلاق الحميدة لعلاء الأسوانى 22/4/2014

اذا كنت والدا لابنة شابة فلاشك أنك تخاف عليها وتراودك هواجس عن احتمال تورطها سرا في علاقة مع شاب يخدعها وقد تتخيله وهو يحتضنها ويقبلها وربما يفعل معها ما هو أسوأ .ماذا تفعل لحماية ابنتك .؟!. هناك طريقتان . الطريقة الأولى أن تراقب ابنتك باحكام فلا تترك شاردة أو واردة عنها الا وتعرفها. أن تفتح تليفونها المحمول وهي نائمة وتقرأ رسائلها ، أن توصى السائق و الخادمة لكى يخبراك أولا بأول بما تفعله وألا تسمح لها بالخروج الا بصحبة أخيها أو أمها حتى تضمن أنها لن تتورط في أى فعل مشين . هكذا تطمئن على ابنتك لكنها طمأنينة خادعة فسيكون بامكانها دائما اذا أرادت أن تفلت من رقابتك وتفعل ما يحلو لها . هناك طريقة أخرى وهي أن تحسن تربية ابنتك وتعمل على تنمية ضميرها ثم تمنحها الثقة بحيث لا تخاف من بطشك وانما من فقدانها لثقتك . بعد ذلك اترك ابنتك تختلط بالمجتمع واعلم أنها ستكون محصنة ضد الغواية لأن تمسكها بالفضيلة ينبع من داخلها وليس مفروضا عليها من الخارج .. علاقة الحاكم بالشعب تشبه علاقتك بابنتك . الرئيس الديمقراطي يعتبر مواطنيه قادرين على اتخاذ القرارات الصحيحة وهو يحترم ارادتهم و لا يفرض عليهم شيئا أما الديكتاتور فهو لا يثق أبدا في قدرة مواطنيه على التمييز مهما تكن درجة تعليمهم أوخبرتهم في الحياة وبالتالي يمارس عليهم الوصاية لأنه يؤمن أنه يعرف ماذا يفيدهم وماذا يضرهم أكثر منهم. منذ أيام فوجيء المصريون برئيس الوزراء ابراهيم محلب يصدر قرارا غريبا بمنع فيلم "حلاوة روح " بطولة هيفاء وهبي وسحبه من دور العرض برغم أن الفيلم أجازته الرقابة . القضية هنا ليست في قيمة الفيلم الفنية . القضية أن يتدخل رئيس الوزراء مهما تكن الأسباب لكى يمنع فيلما من العرض . ابراهيم محلب مهندس مشهود له بالكفاءة لكنه سياسيا تخرج في مدرسة مبارك فقد كان عضوا معينا في مجلس الشوري وعضوا في لجنة السياسات التى أنشئت بهدف توريث الحكم من مبارك لابنه جمال .لايخفى محلب انتماءه لدولة مبارك حتى انه ذهب ليهنىء البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد فاصطحب معه اثنين من رموز الحزب الوطنى هما على المصيلحي وزير التضامن وحمدي زقزوق وزير الأوقاف في عهد مبارك . قرار محلب بمنع فيلم " حلاوة روح "يتشابه مع قرارات مبارك فيما يلي : . . أولا : العشوائية : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قرر السيد محلب منع الفيلم مع انه لم يشاهده أساسا لكنه استجاب لشكوى من مسئولة عن جمعية لرعاية الطفولة طالبت بمنع الفيلم لأن بطله طفل يتلصص في مشهد على امرأة عارية . وكأن منع الفيلم سيوفر المأوى والحياة الكريمة للملايين من أطفال الشوارع .ليس من حق رئيس الوزراء أن يمنع أى فيلم ولا يجيزه ولا حتى يقيمه فنيا فهو ليس ناقدا سينمائيا ولا مخرجا ولا كاتبا .. هذا القرار العشوائي لمحلب يذكرنا بقرار عشوائي شهير اتخذه مبارك ذات يوم عندما أمر بقتل كل الخنازير في مصر اعتقادا منه أنه بذلك سيقضى على انفلونزا الخنازير مع ان هذا المرض لاعلاقة له بالخنازير كما ان مبارك ليس متخصصا في أمراض الفيروسات ولا طبيبا بيطريا لكى يقترح علاجا لانفلونزا الخنازير لكنه ــ مثل محلب الآن ـــ يعتبر من حقه ان يصدر قرارات نهائية في أى مجال ويفرضها على المتخصصين مهما تكن خاطئة . وقد أدى قرار مبارك الى مهزلة حيث تبارى المسئولون المنافقون في قتل أكبر عدد من الخنازير حتى أن أحد المحافظين أراد أن يؤكد ولاءه لمبارك فقام بالقاء عشرات الخنازير المسكينة فى حفرة ملأها بالجير الحي .قرار محلب تسبب في مهزلة مماثلة فسرعان ما تقدم مواطنون عديدون بطلبات للسيد محلب لكى يمنع مسلسلا تليفزيونيا وفيلما من العرض مع أن العملين حاصلان على موافقة الرقابة ويبدو أنه من الآن فصاعدا سيتحتم على أى روائي أو سينمائي أن يطلب مقابلة رئيس الوزراء حتى يعرض عليه روايته أو فيلمه خوفا من أن يصادرهما في أى لحظة .. ثانيا : الوصاية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال السيد محلب: لقد أوقفت الفيلم بدافع الضمير والوطنية .. المعنى هنا أن السيد محلب أكثر وطنية وضميرا من صناع الفيلم وكل العاملين في جهاز الرقابة الذين أجازوا عرضه . واذا كان السيد محلب حريصا الى هذه الدرجة على الأخلاق الحميدة فلماذا لايتدخل ليمنع الاعتقالات العشوائية والتعذيب الذى وثقته تقارير عديدة .؟! لماذا لايتدخل ليمنع وصلات الشتائم واتهامات العمالة في وسائل الاعلام الرسمية لكل من يعارض السلطة الحالية ..؟ لماذا لايمنع البرامج التى تذيع مكالمات شخصية للمعارضين بغرض التشهير بهم بواسطة أجهزة الأمن ..؟ ماذا فعل السيد محلب من أجل القضاء على وباء التحرش الجنسي الذى يشكل اهانة للمرأة المصرية أكثر بكثير من فيلم حلاوة روح ..؟! . هل سيؤدى منع هذا الفيلم الى منع التحرش والاسفاف الاعلامي والتعذيب ..؟ اذا لم نعترض على منع فيلم حلاوة روح ــ بغض النظر عن رأينا فيه ـــ فسيكون من حق محلب في المستقبل أن يصادر أى كتاب أو يوقف عرض أى فيلم أو مسرحية وسيبرر دائما قرارات المنع بالمحافظة على الأخلاق الحميدة للمصريين بدافع الضمير والوطنية . ثالثا : الهاء الرأى العام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 60 في المائة في المصريين يعيشون بدون صرف صحي وثلث سكان القاهرة يعيشون في عشوائيات كما أن أكثر من نصف سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر اذ ينفق كل واحد فيهم على أسرته أقل من 10 جنيهات يوميا أى أن أربعين مليون مصري على الأقل يعيشون في فقر مدقع وظروف غير آدمية .. ماذا فعل السيد محلب من أجل هؤلاء ..؟! أضف الى ذلك الحرب الشرسة التى تخوضها الدولة المصرية ضد جماعات الارهاب حيث يسقط يوميا شهداء من الجيش والشرطة كنت أظن أن رئيس الوزراء سينشغل بهم أكثر من انشغاله بفيلم هيفاء . الاقتصاد في حالة سيئة والسياحة تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة وهناك أزمة طاحنة في الكهرباء بسبب قرار مبارك بتصدير الغاز لاسرئيل ارضاء لها لكى تدعم مشروع التوريث . بدلا من ان يحاول السيد محلب ايجاد حلولا لهذه المشكلات الكبرى فانه يصطنع فيما يبدو موضوعا لالهاء الرأى العام فيقرر منع فيلم حلاوة روح لينقسم الناس الى مؤيدين لهيفاء ومعترضين عليها فيستغرقون في هذا الجدل العقيم وينسون البؤس الذين يعيشون فيه . هذه أيضا طريقة مباركية بامتياز ولعلنا نذكر كيف كانت دولة مبارك ، بغرض الهاء الرأى العام ، تحشد الجماهير قبل مباريات كرة القدم مع الفرق الأجنبية فتردد وسائل الاعلام الأغانى الوطنية والكلمات الحماسية عن حب مصر حتى يبدو الأمر وكأننا مقبلون على حرب وليس مجرد مباراة رياضية السؤال هنا : هل يعتقد رئيس الوزراء حقا أنه بهذا القرار قد منع الناس من مشاهدة الفيلم ..؟!. لو أنه دخل الى الانترنت سيكتشف أن الفيلم يشاهده الآن مئات الألوف بينما هو لم يحقق في دور العرض نجاحا كبيرا . بعد ثورة الاتصالات لم يعد ممكنا منع أى فيلم من العرض كما أن الرقابة على السينما أساسا ليست الا جهازا استبداديا يتظاهر بالمحافظة على الأخلاق والدين بينما هدفه الحقيقي منع المبدعين من نقد النظام حتى يستقر الحكم للديكتاتور . الرقابة على السينما فكرة فاشية تعتبر أن الرقيب ، كالأب مع أطفاله الصغار ، يعرف مايناسب المواطنين من أفلام أكثر منهم . أعضاء الرقابة موظفون عاديون يتم تدريبهم على حذف الممنوعات من الفيلم ( وأخطرها بالطبع النقد السياسي ) وهم ليسوا غالبا مؤهلين لتقييم الأفلام فنيا ., في الدول الديمقراطية لاوجود للرقابة على السينما ، هنا سيحتج كثيرون ويطرحون السوال الخالد : ماذا نفعل في الافلام الاباحية وكيف نحمى المراهقين من اثارة الغرائز .؟!. فلنذكر هؤلاء اننا نعيش في عصر الانترنت خيث يمكن لأى مراهق أن يشاهد مجانا كل أفلام البورنو التى يفضلها على الكمبيوتر وثانيا أرجو أن نحذو حذو الدول المتحضرة التى تنشيء ما يسمى بمجلس الفنون وهو يضم في عضويته مجموعة من كبار الفنانين والمثقفين . هؤلاء يقرأون مشروعات الأفلام والمسرحيات ويقيمونها من الناحية الفنية فيرفضونها أو يجيزونها للعرض العام أو للكبار فقط وبالتالي يحمون الذوق العام من الأعمال الهابطة ويحمون النشء من مشاهدة موضوعات لا تناسب سنهم . بعد اجازة الفيلم لا يحق لأحد منعه حتى لو كان رئيس الجمهورية ويظل من حق أى مواطن اذا رأى في الفيلم ما يخالف القانون أن يلجأ الى القضاء من أجل ايقاف عرض الفيلم بحكم المحكمة . ان تطبيق نظام مجلس الفنون يعهد بتقييم الأفلام الى المتخصصين ويحمى حرية التعبير ويخلص المجتمع مرة واحدة الى الأبد من الافلام الهابطة . لماذا لا نطبق هذا النظام في مصر ..؟! لأنه سيحرر السينما تماما من أية قيود سياسية ويفتح باب نقد الرئيس على مصراعيه وهذا بالضبط ما لا تريده السلطة المستبدة التى تريد ابقاء الرقابة في أيدي موظفين يسيطر عليهم وزير الثقافة الذى هو مرؤوس مطيع لرئيس الوزراء سيؤيده بحماس في أى قرار يتخذه . في الدول الديمقراطية ليس هناك رأى واحد ولا ذوق واحد . هناك ما يسمى بثقافة الريموت كنترول وهي تفترض أن أذواق الناس متباينة فالفيلم الذى لا يعجبك قطعا سوف يعجب آخرون من حقهم أن يشاهدوه .تستطيع ببساطة أن تستعمل الريموت حتى تحجب الفيلم الذى لايعجبك وتبحث عن فيلم يعجبك . هكذا يحدث في الدول التى تحترم مواطنيها وتعاملهم كأشخاص بالغين كاملي الأهلية وليس باعتبارهم أطفالا يحتاجون الى رقابة الأب الصارمة. اذا أراد السيد محلب المحافظة على الأخلاق الحميدة فليمنع التعذيب والاعتقال وليفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء ويربط الحد الأدني بالأجور في الدولة بالحد الأقصى وليستغن عن مستشاري الوزراء الذين يقبضون الملايين وليلغ الصناديق الخاصة ويضم المليارات التى فيها الى خزينة الدولة وليرفع الدعم عن المصانع التى تبيع منتجاتها بالسعر العالمي بينما تحصل على الكهرباء والغاز والمياه بأسعار مدعومة من أموال الشعب . عندئذ ستتوفر للدولة موارد تغنيها عن الاستدانة وتكفل حياة آدمية لملايين الفقراء . هكذا يجب أن يحافظ رئيس الوزراء على أخلاق المصريين بدلا من أن 
يشغل نفسه بمنع هيفاء وهبي من الظهور على الشاشة .

الديمقراطية هي الحل


No comments:

Post a Comment