Translate

Friday, May 22, 2015

الكرازة - للقمص تادرس يعقوب - 18 مايو 2015

بعد مرور أكثر من نصف قرن على حركة الهجرة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إننا نشكر الله على بركاته الكثيرة في كل أرض المهجر، ولا ننسى كل المجهودات التي قام بها كثيرون من الشعب منذ الخمسينات ورجال الكهنوت، خاصة الجنود المجهولين. ما نُقَدِّمه الآن ليس نقدًا سلبيًا ولا تجاهلاً لعمل الله، وإنما نحتاج عل الدوام أن نراجع حساباتنا خشية الانشغال بالماضي دون تقدُّمٍ لائقٍ بخدمة ملكوت الله. يليق بنا إعادة تقييم ما حَقَّقته نعمة الله وما لم نُصِب فيه، ونراعي في هذا التقييم الآتي:
1. لسنا نُسَجِّل تاريخًا لتكريم أشخاصٍ مُعَيَّنين من رجال الكهنوت أو من الشعب. إنما لكي نعرضه في صلواتنا جميعًا، الكبار والأطفال الصغار لكي تعمل نعمة الله في الجميع.
2. عدم التركيز فقط على عدد المهاجرين وعدد الكنائس والكاتدرائيات، بل أيضًا على مدى انتشار الفكر الكرازي باتِّساع قلب، فلا نتجاهل تراث الكنيسة الحيّ المُتمثِّل في تقليدها المقدس بما فيه من طقوس وألحان، مع مراعاة عدم التمسَّك بالحرف القاتل بروح التعصُّب، إنما كسفراء عن السيد المسيح نتساءل: هل كرازتنا حوَّلت القلوب الترابية إلى سماءٍ جديدةٍ يعمل فيها الثالوث القدوس من خلال الصلوات الليتورجية الكنسية والشخصية في المخدع.
3. مع الاهتمام بلُغة أرض المهجر أذكر ما قاله الدكتور فهمي عطالله – وهو مُهاجِر غالبًا من الأربعينات ومتزوج من إنسانة أمريكية تقية محبة لله – بروح متواضع عند كتابة رسالة للبابا شنودة عام 1972م ليُرسِل كاهنين للوس أنجيلوس بكاليفورنيا للخدمة في أكثر من نصف ولايات أمريكا الشمالية في ذلك الحين، طلب أن نكتب له العبارة التالية: “نرجو إرسال أشخاص يتحدَّثون بلغة الحب والروح التي تستطيع أن تدخل القلوب وتلهبها بحب الله، مع عدم تجاهلنا لأهمية لغة أرض المهجر”.
4. في زيارة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية والمسكونية صرَّح بعبارة في غاية الأهمية: “ليتنا لا نبدأ من الصفر، إنما ننتفع بخبرة الكنائس الأرثوذكسية التي سبقتنا إلى أرض المهجر بحوالي 80 عامًا، سواء في الجوانب التي نجحت فيها أو لم تُصِب فيها.
5. الحاجة إلى إعداد قادة للكرازة ليست كل مؤهلاتهم اللغة والإدارة فحسب – مع أهميتهما – وإنما يتمتعون بروح الحُبِّ لكل البشرية مشتهين خلاص العالم كله بروح الكرازة بكلمة الله الحية في عمق آبائي مع تقديم الطقس لا في حرفية قاتلة، بل بالكشف عن أعماقه الإنجيلية الروحية الكنسية، وإبراز غايته وهي التمتُّع بعربون السماء في كل عبادتنا الكنسية والشخصية والأنشطة على كل المستويات.
سُئل أحد أساقفتنا في زيارة البابا شنودة لبطريركية الأرمن بالولايات المتحدة من أحد الأساقفة الأرمن: من المُلاحَظ أن غالبيتكم شباب صغير السن، كيف يُختارون الأساقفة؟ وما هي مؤهلات المُرشَّح للأسقفية؟ وكيف يتدرَّب على العمل الأسقفي؟ قال لي: “لم أعرف بماذا أجيب؟ وإنما قلت له: من بين الرهبان”. علَّق الأسقف الأرمنّي إن سيامة الشخص أسقفًا لدينا تحتاج إلى دراسة له لمدة 8 سنوات ليعرف كيف يرعى ويخدم في أسقفيته.
6. منذ سنوات اتصل بي كاهن من أستراليا، قال لي: “أخشى من أن أصاب بحالة احباط depression بسبب (فلانة)! فإنها كل أسبوع تأتي ومعها أشخاص يطلبون العماد، وقلوبهم مملوءة حبًا لله. ماذا سأقول أمام الرب، هي تُقَدِّم لهم الإيمان بقوة وحبٍ، وأنا مُجَرَّد أعمدهم!”
هذه الفتاة ترسل بعض العظات لخمسة عشر الفًا وتستقبل أسئلتهم وتعليقاتهم وتهتم بخلاصهم. هل يمكن أن يوجد أشخاص لهم هذه الغيرة المقدسة أينما وُجِدوا؟!
7. هنا يليق أن نتساءل:
هل الكنيسة حاليًا تُعِد بروح الكرازة الجادة خدام التربية الكنسية والشمامسة والكهنة والأساقفة وأساتذة المعاهد الكنسية، بجانب أساس البنيان الروحي الداخلي العميق، الجانب الدراسي العلمي؟ وماذا عن الرعاية؟
التقيت بأحد كهنتنا الشباب بأمريكا وسألته عن خدمته، فأجابني لي 3 سنوات مُسام كاهنًا وقمت بزيارة بعض العائلات، ويوجد كثيرون لم أدخل بعد بيوتهم، وأن عدد العائلات في المدينة 300. ولما تحدثت معه عن الزيارة الرعوية والتركيز على كلمة الله خاصة مع الأطفال والشباب، أجابني إن سيامته كاهنًا تمت وبعد قضاء الأربعين يومًا في الدير ألقوني وسط الشعب، ولم يخبرني أحد ماذا أفعل؟ لم يُرشِدني أحد!
لستُ أكتب لأنتقد أحدًا، إنما لكي نُعالِج هذه الأمور – قبل أن يصعب في المستقبل علاجها – بحكمة مع حُب واتِّساع فكر وتشجيع.
7. في عام 1976/1977 قام مطران الهند الأرثوذكسي بزيارة ملبورن أُستراليا، وفي اجتماع محبة التقى قادة الكنائس الأرثوذكسية معًا. وكان موضوع حديثه والمناقشات حول: كيف يمكننا عمليًا غرس شجرة أرثوذكسية في تربة أسترالية؟ ما كان يشغلنا هو التعليم على أساس سليم وبروح إنجيلية كرازية كنسية، فتأتي بثمار أرثوذكسية الجوهر والمضمون على طريقة أسترالية
8. حين قمت بزيارة معهد فيلاديمير عام 1972 كانت مكتبة البيع صغيرة للغاية، واليوم يفتخر بها كل الأرثوذكس في العالم. قال أبونا أثناسيوس فرج إنه يوجد حوالي 25 شخصًا في أمريكا من الأقباط تفرَّغوا للدراسات العليا المسيحية وللأسف أغلبهم لم تُقدِّم لهم الكنيسة القبطية فرص للخدمة.
ما هي إمكانيات معاهدنا في المهجر، وكم شخص تكرَّس للقيام بمثل هذه الأعمال اللازمة للكنيسة؟ هل لدينا حتى الآن أساتذة متفرِّغون للعمل الدراسي الروحي على مستوى معهد فيلاديمير؟ وهنا أشعر بالبركة التي قام بها الأنبا سرابيون بتشجيع بعض المكرسين للدراسات العليا في معاهد أرثوذكسية حيّة، والاعداد لإنشاء معهد دراسي يليق بالكنيسة.
تحدَّثت مع كثيرين ممن بنوا كاتدرائيات ضخمة عن إنشاء مركز ثقافي بها أشخاص متفرِّغون للعمل بفكر كنسي ثقافي علمي يليق بالكاتدرائية. ولكن متى نبدأ؟
9. الحاجة إلى عمل جماعي في تدبير مركز الكتروني لا يقف عند نشر كتابات أو دراسات صوتية أو مرئية، إنما يتفرَّغ البعض ليس باسم كنيسة مُعيَّنة أو إيبارشية مُعيَّنة، بل باسم الكنيسة ككل ليجيب على طلبات كل من يود المعرفة الحقّة.
منذ سنوات قليلة اتصل بي خادم من كنيسة السيدة العذراء مريم والقديس مار يوحنا الحبيب بجناكليس إسكندرية، لأن شخصًا قادم من المكسيك على حسابه الخاص ليعتمد.
حاول هذا الشخص أن يتصل بمواقع الإنترنت websites الأرثوذكسية في مصر، لم تُجِبه سوى هذه الكنيسة. لقد قرأ هذا الشخص كتابات معهد فيلاديمير وبعض المعاهد الأرثوذكسية بأمريكا وكتابات البابا شنودة الإنجليزية وغيرها وقرَّر أن ينضم إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
قال لي أحد الكهنة المشهورين بالقاهرة: “خجلت من الحوار مع هذا الشخص، إنه يعرف عن كنيستنا وآبائها الأولين ومفاهيمها اللاهوتية والرهبانية والكتابية أكثر مني!”
في مجهود فردي بالرغم من ضعف صحة أبينا القمص أنطونيوس حنين كرَّس شابًا لإرسال emails تحتوي على فقرات صغيرة قوية من كتابات آباء الكنيسة. شعرت بقوتها في زياراتي بمنطقة هومديل، نيوجيرسي، إذ كانت بعض العائلات تشتاق أن تلتقي معه، وقيل لي إن حياتهم قد تغيَّرت بعمله هذا. وإذ سألته في ذلك الوقت عن عدد الـ emails التي يرسلها قال لي 150 الفًا في دول كثيرة. لقد تنيَّح هذا الأب، أما تستطيع الكنيسة مجتمعة بروح التواضع والمحبة للقيام بعمل كهذا وبأكثر قوة!
10. لست أود الدخول في تفاصيل أكثر سواء بالنسبة لعمل رجال الكهنوت أو الشعب، إذ يوجد بين الشعب من يستطيع أن يتفرَّغ للخدمة بروحٍ مُلتهِبة ربما أكثر من الكاهن بسبب ضيق وقت الأخير.
في اختصار أود تحديد ما هي سمات العمل المطلوب؟ وما هو هدفه؟ وما هي إمكانياتنا بروح الحب والوحدة والرجاء في عمل الثالوث القدوس فينا، فإننا جميعًا مسئولون للتحرُّك معًا بدراسة جادة تسندها صلاة الشعب والخدام ورجال الكهنوت.
خدمتنا على المستوى الجماعي والشخصى تحتاج إلى إعادة تقييم بروح الانسحاق أمام الله لا بالانشغال بالمجاملات والدعاية.


القمص تادرس يعقوب ملطي ...... في 18 مايو 2015

No comments:

Post a Comment