Translate

Monday, November 16, 2015

مَن كان منكم بلا إرهاب.. فليضربنا بحجر بقلم فاطمة ناعوت ١٦/ ١١/ ٢٠١٥

الشيطانُ مازال يرعى. يجولُ فى أرجاء الكوكب المرزوء بالمحن والنوازل، ينثرُ الرصاصَ ويغرسُ بذور الموت وينتزع الصرخاتِ من الصدور المطمئنة. كل ما يحتاجُ إليه الشيطان، لكى يحقق الانتصار على بنى الإنسان، هو أن يجلس الأخيارُ دون أن يفعلوا شيئًا، كما قال الفيلسوف إدموند بِرك، فى القرن الثامن عشر، وكأنه يقصد بها لحظتنا الراهنة البائسة التى نحياها فى القرن الحادى والعشرين. شهداءُ جددٌ، وجثامينُ تغطى أرض عاصمة النور والفنون والتشكيل والموسيقى، باريس. نساءُ كنّ زوجاتٍ وأمهاتٍ حتى البارحة أمسين أراملَ أو ثكالى! أطفالٌ كانوا يلعبون فى حديقة البيت فى النهار، سوف يرقدون الليلة فى أسرّتهم بعدما يعرفون معنى اليتم والجزع! داعش يقهقه، كما يفعل الشيطانُ دائمًا بعد كل جريمة ناجزة من جرائمه، وعالمٌ صامت لا يتحرك إلا حينما يقترب الخطرُ من بيته! وإن أكمل الشيطانُ داعش خُطتَه، وإن ساندناه نحن بصمتنا، سننكص إلى عصر الهمجية الأول حيث كان الإنسان ينهش لحم أخيه، ويصنع من عظامه سكينًا ينحر بها أبناءه. فنخسر آلاف السنين كافح فيها الإنسان ليتحول من الهمجية الوحشية إلى الرقىّ المتحضر، الذى فيما يبدو، نخسره يومًا بعد يوم، حتى أوشك على النفاد. أتساءل أين الرأى العام العالمى وهيومان رايتس ووتش من تنظيم داعش الإرهابى القمىء؟! يكتفون بالشجب والتنديد، مثلما تكتفى منابر مساجدنا بالتنديد والشجب وإنكار انتماء «أفعال» داعش للإسلام وتبرئة ساحتنا من دم ضحاياهم، وفقط. لكنهم لا ينكرون إسلامهم لأن من نطق الشهادتين مسلمٌ، وإن سفك دماء البشرية جمعاء!
يقولون «الله أكبر» وهم يجهزون على ضحاياهم، هى ذاتها «الله أكبر» التى نقولها ونحن نُسلم وجوهنا إلى القِبلة لنصلّى ونُسلم أرواحنا لله فى عليائه، ونحن آمنون على ظهورنا من طعنة خنجر مسموم قد تقطف أرواحنا قبل أن نتشهّد وننطق التسليمين عن اليمين وعن اليسار. ومازال هناك من أسمعه يقول: «اللهم احمِ مسلمى فرنسا!». الرصاص أشرفُ من أولئك لأنه لا يمارس العنصرية حين يحصد الأرواح دون تفرقة بين مسلم وهندوسى ومسيحى وبوذى ولا دينى. الرصاصةُ التى تقتلنا أشرفُ منّا حين نمارس طائفيتنا حتى فى لحظات الفجيعة والموت. متى نتعلم أن نرحم «الإنسان» دون التفتيش فى قلبه وعقيدته؟! وهل مسلمون أولئك الدواعشُ السفاحون؟ هل قرأوا يومًا ما قاله الإمام على بن أبى طالب: «الناس قسمان، أخٌ لك فى الدين، ونظيرٌ لك فى الخَلق، فاعطِ كلاًّ منهما حقَّه»؟ فبأى حقٍّ يقتلُ إنسانٌ نظيره فى الخلق والإنسانية، محتميًا ببندقية سفيهة وسيف حقير أبكم، وقلب بهيمى وعقل بليد؟!
ما حدث فى باريس قبل أيام رسالة غاضبة قاسية شديدة اللهجة إلى ضمير العالم تقول ضمنًا إن الإرهاب يهدد البشرية كلّها، ويقوض أعمدة الإنسانية كلّها، وليس فى شرم الشيخ وحدها، ولا فى سيناء وبقية مدن مصر وحدها. ومَن منكم بلا إرهاب، فليضربنا بحجر. لا بديل ثمة عن أن تتوحد البشرية جميعها، ضد هذا التنظيم الدموى القمىء الذى رسم على كل بقاع الأرض شريطًا أسود وزرع فى كل بيت قلبًا يبكى عزيزًا. أيها العالم الصموت، تحرك واقتص من هذا التنظيم المجرم. أيها المصرى الطيب، إن قبضت على نفسك متلبسًا بشىء من الشماتة فى ضحايا باريس، فاعلمْ أن الهمجىَّ داخلك بخير وأنك بعد لم تتطور لتغدو إنسانًا.

No comments:

Post a Comment