Translate

Monday, December 29, 2014

هل يمكن أن نتقدم دون حرية؟ (٢) بقلم د. محمد أبوالغار ٣٠/ ١٢/ ٢٠١٤

الحرية أمر نسبى. فى أى جيش لا توجد حرية، هناك أوامر، وفى غرفة العمليات الجراحية لا توجد حرية، فأنت لا يمكن أن ترتدى أى ملابس أو تنادى بصوت عال أو تترك العمل بسبب انتهاء وقت النوبتجية.
أما فى الحياة المدنية فقد ثبت بما لا يترك مجالاً للشك أن الشعوب لا يمكن أن تتقدم إلا بالحرية التى تحرك الأفكار الجيدة، وتساعد على الابتكار، وتؤدى إلى تقريب الأفكار بين الناس، تقلل من احتمال الخطأ، وأيضاً تشعر الإنسان بأنه بنى آدم حقيقى يستطيع أن يعمل ويناقش ويطور. هذه الأفكار هى التى طورت المجتمعات فى الغرب، وأدت إلى الابتكارات والاختراعات، ورفعت مستوى المعيشة. الأفكار الإنسانية ساعدت على تطبيق مبادئ تقرب الفوارق بين الطبقات، ووفرت الصحة والتعليم لكل سكان الغرب، حتى أمريكا الرأسمالية طالها نظام صحى جزئى للكبار فى عهد جونسون واستكمل فى عهد أوباما.
هناك أسباب كثيرة أدت فى مجموعها إلى تأخر مصر خلال القرن الماضى، وفى تقديرى أن أهمها غياب الحرية. فقد قهر الإنجليز خلال ٧٢ عاماً الحريات فى مصر، وعندما حدث تخفيف لوطأة الاحتلال قام الملك وأحزاب الأقلية بمساعدة الإنجليز بقهر الحريات، وعندما جاء عبدالناصر الزعيم الكبير حاول أن يرفع مستوى التعليم والصحة فى مصر، وأنشأ المصانع الكبيرة، الكثيرة، وقلل من الفساد فى الدولة، بالفعل رفع مستوى الفلاحين والعمال، لكن الحرية اختفت تماماً، والخوف والرعب أصابا المصريين حتى حدثت الكارثة الكبرى فى تاريخ مصر الحديث فى ١٩٦٧ والتى مازلنا نعانى من آثارها، وكل ذلك بسبب غياب الحرية وفرصة مناقشة صاحب القرار. وجاء السادات وأعطى هامشاً من الحرية للمصريين، ولكن كل الأمور المهمة لم يسمح بمناقشتها فانتهينا بسيطرة الفاشية الإسلامية.
وجاءت ديكتاتورية مبارك الراكدة البطيئة التى جثمت على صدر مصر فقضت على الفكر والثقافة والصناعة وكل شىء، وازدهرت أعمال السمسرة والفساد.
مصر الآن بعد ثورتين شعبيتين كتبت دستوراً عظيماً بالرغم من معارضة بعض محبى الديكتاتورية والقهر الذين يريدون تغييره، ونجح الرئيس بأغلبية ساحقة، ونحن على أبواب انتخابات برلمانية تأخرت كثيراً دون سبب واضح، وهذا مؤشر مخيف. مصر على أعتاب نهضة كبيرة بدأت بوادرها بسياسة خارجية متميزة وسياسة اقتصادية جيدة، ويلزمها بعض دراسات الجودة، وبقيت الحريات وحقوق الإنسان والتى إذا تحققت فسوف يساند الشعب كله النظام، وسوف تقفز مصر إلى الأمام، وإذا تعثرت فسوف يتعثر مشروع النهضة المصرى ونحن ليس أمامنا غير النجاح، ولنتذكر أن الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهى من دول العالم الثالث الواعدة التى تتمتع بالحرية والديمقراطية، وبسبب ذلك أصبحت تناطح اقتصاديات الدول المتقدمة.
رئيس الجمهورية عليه أن يسرع بفتح ملف حقوق الإنسان والحريات، لأنه الطريق الوحيد لتحقيق برامجه.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

No comments:

Post a Comment