Translate

Wednesday, February 25, 2015

السيســـى غيـر المتوقَـع! أشرف عـبد المنعم الأهرام في 24/3/2015



لا تقنعنى أرجوك بأن الأمريكيين وألد حلفائهم توقعوا فى أوج حذرهم أن تبلغ الجرأة والشجاعة بالسيسى حد الخروج على الناس (بنفسه) لإعلان عزل الدكتور مرسى ثم التحفظ عليه رأسا، مخترقا بذلك حاجز الذهول الأمريكى- الغربى تجاه ثورة 30 يونيو إلى منتهاه؛
غير مبال بتبعات ماحدث خارجيا، مع الوضع فى الاعتبار بأنه اتخذ قراره دون القبض على رءوس أتباع المعزول الذين تم ضبطهم فرادى بعد ذلك بفترات طويلة وكأن غضبتهم لم تكن لتمثل ثقلا يذكر فى ميزان الرجل، فما كان من الغرب سوى أن ازداد صمتا على صمته!
ولاتقنعنى أرجوك بأن الأمريكيين وأتباعهم توقعوا أن يواجه السيسى معضلة تفريق التجمعات المارقة فى كل من رابعة والنهضة على النحو الذى تم، فيما يعد أكبر عملية فض لأكبر تجمع بشرى فى التاريخ المعاصر كانت من الممكن أن تسفر عن نتائج لاتحمد عقباها داخليا وخارجيا، وهو ما راهن عليه المعتصمون (بإيعاز ما) متصورين أنهم بذلك قد وضعوا السيسى أمام مأزق دولى كبير لابد أن يقف أمامه عاجزا.. فلم يأبه وفعل! ولاتخاطبنى فى تلك (الهرتلة) الإعلامية التى أعقبت فض الاعتصامين فى محاولة يائسة لاستدعاء صورة ذهنية (هولوكوستية) أصبح من الواضح جدا إنها لم ولن تسفر عن أى نتائج دولية تذكر برغم كل محاولات النفخ فى الكير!
ولاتقنعنى أرجوك بأن الأمريكيين وأتباعهم تصوروا أن السيسى سيستطيع أن يخلع بذلته العسكرية مستقيلا من منصبه كوزير للدفاع قابلا بالنزال فى ساحة المنافسة الانتخابية طارحا نفسه كمرشح رئاسى (محتمل)، تاركا نفسه (أعزلا) فى مهب نيران تربصهم به وهم الذين حملوه وقتئذ وبمنتهى الشراسة الإعلامية وزر ما سموه الانقلاب على الشرعية، متصورين أنه سيظل متشبثا ومحتميا فى كرسيه العسكرى إلى أن يتمكن من الحكم، فإذا بالرجل يستقيل فى عز تربصهم، ثم يخوض الانتخابات على نحو شديد النزاهة شهدت بها جميع المنظمات التى تولت المراقبة، فيما لم يستطع ألد أعدائه أن يتهمه بالوصول إلى كرسى الحكم على جناح هفوة انتخابية واحدة، وإلا لكانوا ضخموها وأزعجوا بها مسامعنا ليل نهار.. ولكنهم لم يفعلوا، لأنه لم يفعل، ولا تخاطبنى أرجوك فى تلك (الهرتلة) الإعلامية غير المنطقية المطنطنة بنغمة الانقلاب بعد كل ما سردناه !
ولاتقنعنى أرجوك بأن الأمريكيين وحلفاءهم تصوروا أن تمتد قرارات السيسى نحو أخطبوط منظومة دعم السلع والخدمات،على الأقل فى بدايات حكمه، تلك المنظومة التى لم يستطع السادات صاحب نصر أكتوبر ولا مبارك قائد الضربة الجوية وصاحب أطول مدة حكم رئاسى أن يمسسها من قريب أو بعيد، حيث تصور الأمريكيون أن هذه المعضلة كفيلة بالإطاحة بأحلام السيسى فى تحقيق ثمة نجاح يذكر، أو على الأقل إرباكه اقتصاديا إلى حد الاستجداء دوليا لإنقاذ حكمه.. ولكنه خفض الدعم بل واستطاع أن يقنع الشارع (الملتهب) بذلك دون أى مواربة أو خداع وهذا هو الأصعب لمن يعلمون!
ثم لاتقنعنى بأن الأمريكيين وأتباعهم تصوروا أن يستطيع السيسى محاصرة النيران المشتعلة فى سيناء عن طريق (إقناع الناس) بإجلاء الشريط الحدودى فى رفح، بينما تصور المتربصون أنه ضرب من الجنون أن يقدم على فعله، وإن فعل فلن يستجاب له .. ولكنه فعل واستجاب له الناس، فأطاح بحلم بناء الأنفاق والتدفقات الإرهابية المتواصلة من خلالها!
ولاتعتبرنى مبالغا إذا ما قلت لك لا تقنعنى بأن الأمريكيين وأتباعهم تصوروا أن يذهب السيسى إلى الأقباط فى عقر الكاتدرائية المرقسية فجأة فى أوج الصلوات ودون أى مقدمات ليستن سنة لم يسبقه إليها رئيس من قبل، فى الوقت الذى (تمنع) فيه السفير الأمريكى (كيدا) ربما لأول مرة عن الذهاب، ليقطع بذلك عادة سنوية (مبهمة) اعتاد الأمريكيون ممارستها لتمرير رسالة سخيفة مفضوحة ما عادت تخال على أحد..ولكن السيسى ذهب، فحول رسالة السفير إلى دخان واستبدلها برسالة قوية شديدة الدوي!
ثم لاتقنعنى أرجوك بأن خطف وذبح 21 (قبطيا) على يد داعش (بعد ذلك) جاء بمحض الصدفة البحتة؛ حيث تصور المدبرون أن خروج العملية على هذا النحو البشع لقادرة على تحويل مركب الأقباط بعيدا عن مسار السيسى؛ استنادا إلى (استحالة) أن يقدم السيسى على توجيه ضربة عسكرية دون علم (الأمريكان) فى مقابل انفجار الأحزان القبطية كمدا على من ذبحوا من ناحية، واستدعاء لما تم ترسيخه على مر السنين من شعور المواطن القبطى بأنه مواطن من الدرجة الثانية لا تتحرك الدولة من أجله أبدا من ناحية أخرى.. فإذا بالرجل يأمر طائراته بتوجيه ضربة انتقائية رادعة ناجزة رفيعة المستوى لم تسترد كرامة المصريين أو تثأر للمذبوحين قبل طلوع النهار فحسب، وإنما (أحرجت) كل جهود (التحالف الدولى) ضد داعش العراق والشام، تلك الجهود السرمدية المخملية الأثيرية السفسطائية، ثم إذا بالضربة المصرية ترفع رءوس (كل) المصريين عاليا وتعلى الشعور الوطنى فوق كل النعرات بل وتشعر الأقباط بأنهم مواطنون من أعلى الطرز وأن لهم فى وطنهم درعا وسيفا.. وسلام على السفير الأمريكى!
باختصار.. نحن أمام شخص حاد الذكاء لايمكن التنبؤ بردود أفعاله أبدا، وعلى الرغم من شدة المحنة التى يعانيها الغرب فى محاولة لفهم السيسى كظاهرة قيادية فى منطقة اشتهرت بالتبعية والركود وردود الأفعال النمطية المتوقعة، فأنا على يقين من أن هذا الرجل قد استطاع أن ينتزع إعجاب ألد المتربصين به، وإن لم يفصحوا عن ذلك بعد!

No comments:

Post a Comment