Translate

Saturday, April 25, 2015

رئاسة كاسحة ووزارات كسيحة بقلم د. وسيم السيسى ٢٥/ ٤/ ٢٠١٥

كانت أول صدمة حضارية أخذتها فى إنجلترا حين ذهبت لدرجة الدكتوراه فى جراحات الكلى والمسالك البولية، من جون سونى John Swinny فى «نيوكاسل»، اتصلت بالمستشفى، رد علىَّ مساعده Yates، قال: ثانية واحدة، وفعلاً بعد ثانية كان جون سونى معى على التليفون، رحب بى، وقال: بروفيسور محمود بدر حدثنى عنك، أراك غداً ١١ صباحاً.. باى.. ووضع السماعة وأنا فى ذهول! لم تأخذ المكالمة نصف دقيقة!!
كانت الصدمة الحضارية الثانية عند لقائى بآلان روز، أحد علماء إنجلترا، وذلك لترتيب إجراء تجارب خاصة بحصوات المسالك البولية على خنازير غينيا «فى حجم الأرانب الصغيرة»، والـGold-Hamsters، فسألنى: هل أخذت موافقة جمعية الرفق بالحيوان؟ قلت لا، قال لابد من هذه الموافقة! تصورت أنها ستأخذ أسابيع، وإذ به يتصل تليفونياً بالجمعية، ويخبرهم بموضوع البحث، ويأخذ الموافقة، ويقول لى: الآن تعمل وأنت مطمئن!!
قلت له: أنا أعمل فى كمبردج، وأريد موافقة المعامل بالمستشفى، كما أريد بيتاً للحيوان لحفظ حيوانات التجارب فيه!
قال: سأتحدث إلى Scott، رئيس المعامل، وإلى مس English لبناء بيت للحيوان! وثانى يوم قابلت سكوت.. أعطانى مفتاحاً للمعامل وهى مدينة كاملة، كما قابلت مس English، وقالت: أخبرنى بروفيسور Rose بكل شىء، شكرتها وقلت لها أرجو أن يتم البناء سريعاً! سألتنى: متى تريد؟! قلت أسبوعاً! ابتسمت، ولم أفهم مغزى الابتسامة إلا بعد أربع ساعات! كان هذا الحديث ٩ صباحاً، تم البناء الواحدة ظهراً! فكانت صدمة حضارية ثالثة!!
طلبت دواء لأحد مرضاى الإنجليز، قالت لى الصيدلانية: غير موجود بإنجلترا، ولكنه موجود فى ألمانيا، هل هو ضرورى؟ قلت نعم! بعد ٨ ساعات كان الدواء بين يدى قادماً من ألمانيا لإنجلترا!!
ما نفعله فى سنة يفعلونه فى يوم! إنها البيروقراطية، وهى كلمة جاءت من بيرو أى مكتب بالفرنسية، فالبيروقراطية معناها الالتزام باللوائح والتعليمات المكتبية دون إهمال العقل فيما يعرض للموظف من طلبات وقضايا الناس!
كل واحد منا يحمل فى قلبه الكثير من المعاناة، أياماً مهدرة، أموالاً ضائعة، وكله بسبب الروتين الذى سمعنا قرب نسفه بلا أمل! لعلكم تذكرون هذا المسكين الذى ذهب لقبض معاش سنتين، فصرف معاش سنة واحدة «الأخيرة» لأن بها إقراراً أنه حى يرزق، أما السنة التى قبلها، فقد رفض البيروقراطى الروتينى صرف معاشه، وعبثاً حاول الرجل إقناعه أنه لم يمت فى هذه السنة، وعادت إليه الحياة فى السنة التى تليها! دون فائدة!
اسأل عن المعاناة فى قلم المرور، أو السجل المدنى، أو حظك العاثر إذا طلعت شهادة ميلادك مثلاً «نسيم» بدلاً من «وسيم»، ستدوخ السبع دوخات من أجل هذا الحرف رغم وجود أوراق وباسبورتات تحمل ألف دليل ودليل، ولكن تقول لمين؟! تقول لهم: يا عالم ده تور! يقولوا: احلبوه.
إن رئاستنا نشطة قوية كاسحة، ولكن بكل أسف جهازنا الإدارى - ومعه بعض الوزارات - كسيحة! فى عدد إبريل ٢٠١٥ Scientifi American أن البريد بالنسبة للـE.Mail، هو نفس ما سيكون عليه الـE.Mail بالنسبة لما هو قادم!! أين نحن من هذا كله؟!

No comments:

Post a Comment