Translate

Wednesday, March 21, 2018

خالد منتصر - الأوطان لا تتقدم إلا بالازدراء!! - جريدة الوطن - 21/3/2018

يا من تسجنون بتهمة الازدراء كل من يفكر ضد السائد وكل من يحاول التجديد وكل من يناقش ويفنّد دون أن يحمل سلاحاً أو يشكّل عصابة الازدراء، أنتم تستعيدون زمناً صار فى متاحف التاريخ، وتسترجعون فكراً أصبح من قبيل الروبابيكيا فى سوق كانتو الأفكار البالية، نشكر الله أن منحنا نعمة الازدراء، ما تقولون عنه ازدراء فى أدبياتكم كان يطلق على كل ما فعله الأنبياء والعلماء من قبَل أصحاب المصلحة فى الركود الذى يطلقون عليه، من باب التزييف والتخدير، «استقراراً». ألم يكن كفار قريش يعتبرون ما يدعو إليه النبى محمد ازدراء لآلهتهم وعقائدهم؟ ألم تعتبر الكنيسة «جاليليو» كافراً وما يدعو إليه ازدراء للكتاب المقدس الذى يقول إن المسكونة لا تتزعزع و«جاليليو» يقول إن الأرض المسكونة تتحرك، مما يُعد تجديفاً وهرطقة وازدراء؟! ألم يهاجم رجال الدين إدوارد جينر، مكتشف تطعيم الجدرى، واتهموه بأنه يعطل مشيئة الله بهذا التطعيم ويؤجل عقابه للبشر المخطئين؟ ألم يُقطع رأس الحسين جزاء لما اعتبرته السلطة الأموية وقتها ازدراء وزعزعة للحكم؟! ألم يقتل صلاح الدين الأيوبى «السهروردى»، وقطّع «سفيان»، والى أبى جعفر المنصور، أعضاء ابن المقفع وشواها فى النار، وتم صلب الحلاج بتهمة الزندقة وازدراء الدين؟! ألم يتم مصادرة أموال وإعدام «لافوازييه»، أبو الكيمياء الحديثة، فى ميدان الكونكورد بعد أن اتُهم بتهمة ازدراء الثورة الفرنسية؟ طارت رقبته، وبعد أن وقعت الواقعة وحدثت الكارثة قال الفرنسيون: «إن قطع رقبة لافوازييه لا يستغرق دقيقة واحدة، ولكن مائة سنة لا تكفى لتعوضنا عن واحد مثله»!! ألم يحاصر الحنابلة بيت الفقيه والمفسر العظيم الطبرى ورموه بالإلحاد وازدراء الإسلام حتى مات محاصراً وحيداً؟ وكذلك اتهموا عبقرى الطب «الرازى» بالإلحاد وضربوه بالكتب على رأسه حتى فقد بصره ومات معدماً!! ضربوا الفيلسوف «الكندى» وصادروا كتبه بأمر المتوكل بتهمة الازدراء وأحرقوا كتب ابن رشد بتهمة الازدراء وكفّروا «الفارابى» بتهمة الازدراء وجلدوا الشاعر بشار بن برد حتى الموت بأمر من الخليفة المهدى بنفس التهمة، ألا تعرفون أن الجعد بن درهم مات مذبوحاً، وأن كارهى الازدراء خنقوا «لسان الدين بن الخطيب» وحرقوا جثته، وكفّروا «ابن الفارض» وطاردوه فى كل مكان، وكفّروا ابن سينا الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف، وقال عنه ابن القيم فى كتابه «إغاثة اللهفان»: «إنه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»!، وقالوا عن ابن الهيثم: «إنه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام، وكان سفيهاً زنديقاً كأمثاله من الفلاسفة»!
رحم الله كل المزدرين المظلومين الذين أشاعوا النور فى حياتنا وحاكمتهم السلطة وسحلتهم وصلبتهم بتهمة الازدراء، نشكر الله أن أنعم على بعض العباقرة بنعمة ازدراء القديم الراكد المتخلف، ازدراؤهم كان شرارة التقدم.

No comments:

Post a Comment