«وماذا أعملُ بالثلجِ عشّشَ فى أركان البيت؟/ بقِطّتكِ البيضاء؟/ ماذا أفعلُ بصور العائلة على الحائط الأبيض؟/ بالأبوابِ البيض المغلقةِ أمام قلبى؟/ بستارةٍ بيضاءَ ساكنةٍ؟/ بالسيارة البيضاء العجوز/ بفوطةٍ بيضاءَ تحملُ رائحتَكِ/ بخصلةٍ من شَعرِكِ بيضاءَ عالقةٍ بالمشط/ بشالِ حريرٍ أبيضَ ضمَّ كتفيكِ المُجْهدين/ بقطرةٍ من ماءِ زمزمَ/ عالقةٍ فى كأسِ غُسْلِك/ ماذا أفعل بخوفى؟/ هل أبيعُ كلَّ ذاك البياض وأشترى أقراصًا للنوم؟/ هل أقايضُ بثمنها على أمٍّ تركتنى وطارتْ/ ويدى لم تزل/ معلّقةً فى طرفِ ثوبِها؟».
■ ■ ■
لكنّ السماءَ رحيمةٌ، كما تعلمون. وهبتنى أمًّا جديدة، تمنحنى الحبَّ والتدليل، فاشتدَّ عودى من جديد. أُعانقُها فى كلِّ مرةً، فلا أعانقُها عناقًا واحدًا بل اثنين. أُقبّلُها فى كلّ مرة، فلا أقبّلُها قبلةً بل قبلتين. عناقًا لأمى التى رحلت، وعناقًا لأمى الجديدة. كل ما فاتنى من قُبلاتٍ فاتنى أن أمنحها لأمى التى غادرت، أنهلُ شهدَها الحانى من أمى الجديدة. عادت لى الابتسامةُ وتأكدتُ أن اللهَ يُحبّنى، لأنه أخذ منى أمًّا، ومنحنى أمًّا. أمى الجديدة اسمُها آنجيل. وهى بالفعل الملاكُ الذى لا ملاكَ يشبهه. تلك «الملاكة» الجميلة ترقدُ اليوم على فراش مرض المايلوما. المرض الشرير الذى أخذ منّا العالم «أحمد زويل». ولو أخذ منّى آنجيلى فسوف أخاصمُه وأخاصمُ الحياة. حين رحلت ماما سهير عن الدنيا واسيتُ نفسى بأن كتبت: «أرحمُ ما فى موت الأمهات، أنهنّ لا يمُتن مرتين. الأمُّ تموت مرةً واحدة». وتصوّرتُ أننى تخلّصتُ من رعبى أن تموت أمى، فقد ماتت وانتهى الأمر. عزاءٌ خائب وفلسفةٌ فارغة كما ترون، لكن ما حيلتى؟! وأشفقتِ السماءُ على ضعفى ومنحتنى العزاءَ الحقيقى. وكان العزاءُ أمى الجديدة «آنجيل». فقدانُ الأم مرةً، قاس ومُرٌّ. ولكن مَن بوسعه أن يتحمّل فقدان أمّه مرتين؟! يا رب.. لا تضعنى فى هذه التجربة. فأنا أضعفُ من ورقة شجرة.
No comments:
Post a Comment