Translate

Wednesday, March 28, 2018

خالد منتصر - لويس جريس.. النبيل - جريدة الوطن - 28/3/2018

فى نهاية سنوات كلية الطب، وفى ظل سطوة الجماعة الإسلامية على قصر العينى واغتيال جميع الأنشطة، كنت قد أُصبت بالإحباط من تكرار تمزيق مجلات الحائط التى كنت أكتبها، فقد ترك عصام العريان، الذى كان قد تخرج منذ عدة سنوات، قاعدة ذهبية بصفته مسئول اللجنة الثقافية فى الكلية، وهى «مزقوا مجلة أى طالب خارج الجماعة واكتموا أى صوت شارد عن أصحاب اللحى»! مشيت شارداً بعد انتهاء المحاضرات فى شارع قصر العينى، لمحت فى منتصفه اسم «روزاليوسف» يتوّج أحد المبانى، «روزا» كانت وقتها هى حائط المبكى للمعارضة وحنجرة الليبرالية المخنوقة وسلاح الناس ضد الفاشية الدينية، وكانت «صباح الخير» هى الخلطة السحرية للبهجة والحرية وقبلة الشباب وقبلة الحياة لهم، وجدت نفسى أدخل المبنى وكأنى منوَّم مغناطيسياً، أيقظنى سؤال رجل الأمن الطيب العجوز على الباب: «رايح فين يا ابنى؟».. «طالع صباح الخير»، الرد الواثق وعدم الارتباك الذى لا أعرف من أين كان مصدره جعل الرجل الطيب يسمح لى بالصعود، ازداد طمعى وطلبت مقابلة رئيس التحرير، كان الرد من أحد رسّامى الكاريكاتير ساخراً: «الأستاذ لويس مرة واحدة»، أخبروه بأن أحد طلاب كلية الطب «المفاعيص اللى لسه ماخرجوش من البيضة» عايز يقابلك، كان بابه مفتوحاً طوال الوقت، ومكتبه كان سوق عكاظ، تحدّث معى بمنتهى الود وأنصت إلىّ وكأننى محمد التابعى زمانه! طلب منى مقالاً حتى يقيّم أسلوب كتابتى قائلاً: «الكتابة مش أفكار حلوة وبس، لازم يبقى لك أسلوب». سلمته المقال بعد تلك المقابلة بأيام قليلة منتظراً مقابلة أخرى أستمع فيها إلى تقييمه. وكانت المفاجأة، فى الأسبوع التالى كان مقالى على غلاف صباح الخير!! كان عنوانه «أنا من جيل آماله مؤجلة»، والمدهش أنه فتح حواراً حول المقال فى أربعة أعداد متتالية، وهكذا جذبتنى ندّاهة الصحافة عن طريق الأستاذ لويس الذى صار فيما بعد الصديق لويس، كان مستوعباً لأى خلاف فى هدوء وحكمة وصبر يستفز البعض أحياناً، كان كالقديسين النبلاء مع كل البشر من أباطرة ونجوم الصحافة والمجتمع وحتى السعاة وعمال المطبعة، ظل شاباً حتى التسعين ومتفهماً لروح وطبيعة الشباب فى كل مراحل حياته، حتى فى أثناء عمله بالجامعة الأمريكية أو قناة «إيه آر تى» كان متحمساً للشباب، وكنت واحداً منهم آنذاك. وفى ظل هذا التشجيع قامت زوجته بركان العبقرية المسرحية سناء جميل ببطولة مسلسل من تأليفى لقناة «إيه آر تى».
بسبب ابتعادى عن القاهرة وظروف عملى هجرت كتابة الدراما وظل عشقى موصولاً للصحافة وظلت صداقتى ممتدة مع أحد رموزها النبيلة لويس جريس، أجمل وأنبل وأصدق وأحكم من رأيت.. باقة ورد على قبرك الجميل يا قصة عشق لصاحبة الجلالة الصحافة ولصاحبة الأداء الساحر سناء جميل التى كنت تروّض وتستوعب جموحها الفنى وبركانها الإبداعى بكل ذكاء وحب وغرام وحكمة، قبلة على جبينك الوضّاء، فقد رحلت فى التوقيت المناسب، فما قرأته أنا على شبكات التواصل النمّامة النهّاشة من خلاف حول الصلاة على جثمانك من بعض الموتورين الذين تحدّثوا عن زواجك الإنجيلى من سناء جميل وكيف سيمنع تلك الصلاة!، ما قرأته يؤكد أنك اخترت الابتعاد عن ضجيج الضباع.

No comments:

Post a Comment