Translate

Sunday, August 10, 2014

«أنا مكسوف»..! مجدى الجلاد

لم يكن ممكناً أن أتجاهل ما حدث.. لا سيما أنه تكرر أكثر من مرة.. سألت نفسى: لماذا يُبدى الإعلاميون -وأنا منهم- آراءهم فى كل شىء وأى شخص، ولا يقبلون أن يمس أحد طرفاً لهم.. رغم أن الثوب الإعلامى مملوء بالأدران؟!
أجبت عن السؤال.. وقررت أن أكتب.. قررت أن أقف أنا وزملاء لى أمام المرآة.. ثم أصف لكم المشهد بصدق.. مشهد عشرات الإعلاميين الذين يطلون على ملايين المشاهدين كل ليلة.. ولأننى لا أريد تقييم أداء أحد منهم على الشاشة.. وجدت أن اللقاء المطول الذى عقده الرئيس السيسى مع عدد كبير من المذيعين ومقدمى البرامج ورؤساء المحطات الفضائية، أمس، يرسم صورة صادقة ودقيقة للمشهد الإعلامى المصرى..!
أعرف أن كثيراً من الزملاء الإعلاميين سوف يغضبون من شهادتى تلك.. غير أننى لا أكترث لغضبٍ على جثة وطن.. فالاجتماع الذى استمر من العاشرة صباحاً حتى الواحدة والنصف ظهراً، شهد حديثاً جاداً ومهماً لـ«السيسى» حول تحديات المرحلة الراهنة، والمخاطر التى تُحيق بمصر ومنطقة الشرق الأوسط.. ثم تكلم عن الأهمية القصوى للإعلام ودوره فى مواجهة هذه المخاطر.. كان الرجل صريحاً عميقاً كالعادة.. وكان بعض الحضور سطحياً جاهلاً كالعادة أيضاً..!
طرح كثيرون قضايا مهمة.. وتحدث كثيرون بسذاجة سياسية واقتصادية، دفعت الحضور من الرئاسة إلى تبادل نظرات الدهشة والامتعاض... وللحق، فقد كان الرئيس السيسى شديد التحمل والأدب، رغم ما بدا فى عينيه من استغراب إلى حد إحساس بعض الإعلاميين المحترفين بالحرج... كانت بعض المداخلات والأسئلة أقرب إلى عقل ولغة العامة.. وبدت استنتاجات بعض الإعلاميين من كلام «السيسى» عكس ما أراد الرجل قوله.. وطوال اللقاء سيطرت «شهوة الكلام» والظهور على عدد ليس بقليل من الحضور.. وفى غمرة الجهل والسطحية.. كان صبر «السيسى» مدهشاً.. وكان جهل إعلاميين بارزين متصاعداً حتى آخر لحظة..!
ليس فى شهادتى هذه إساءة لأحد ولا اصطناع لـ«الأستاذية».. ولست الوحيد الذى لاحظ هذا التدنى فى الحوار، وذاك الانحدار أسفل القضايا المصيرية.. والخطيرة.. غير أن الأسئلة الأخطر التى صدمتنى: هل هؤلاء هم الذين تراهن عليهم مصر فى إعادة تشكيل الوعى العام لدى المواطنين؟!.. هل هم المسئولون عن مواجهة المخاطر التى تحاصرنا من كل اتجاه؟!.. هل باتت شاشات المحطات الفضائية نوافذ مجانية لمن لديه «شهوة الكلام» والجرأة على مواجهة الملايين حتى لو كانت بضاعته لا تختلف كثيراً عن بضاعة المقاهى والأرصفة؟!
يقولون فى أدبيات «صندوق التليفزيون»: إن هذا الجهاز السحرى أخطر من الطائرات والدبابات والقنابل.. فأسلحة كل جيوش الدنيا لا تقوى على تدمير عقل أمة.. للجيوش مدى فى النيران، وسقف فى القتل والتدمير.. أما مدى «الشاشة» فيخترق الرأس دون أن ندرى.. العقل قطعة صلصال فى الجلسة المريحة أمام برنامج الـ«توك شو».. والكلمة المتواترة كل ليلة تذيب الذهن، وتحمله نحو التقدم إلى شعاع نور أو تضعه فى «قفص الظلام والجهل»..!
سمعت فى جلسة الإعلاميين التليفزيونيين مع «السيسى» كلاماً مسئولاً من الرئيس.. وكلاماً عميقاً من زملاء يثرون الشاشة ببرامج جادة.. وكلاماً «تافهاً» من أشخاص يظهرون أمام الملايين بـ«الدراع».. ولكن أقسى ما آلمنى أن فى مصر رجال أعمال وأصحاب أموال «يفتحون» محطات فضائية، دون أن يضعوا معايير لمن يدخل عقل المواطن ويعبث فيه كيفما شاء..!
ليس فى ذلك تحريض على الإعلام.. فلا «السيسى» قال إنه ينوى التدخل أو فرض قيود.. ولا أنا أقبل أن يفعل ذلك.. وإنما هو اعتراف من داخل البيت.. البيت المسموم..!

No comments:

Post a Comment