Translate

Sunday, December 6, 2015

إنهم يكرهون المادة (٥٣) بقلم فاطمة ناعوت ٧/ ١٢/ ٢٠١٥

[المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريّات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العِرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر، وأن التمييز والحضّ على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون].
هذا نصّ المادة ٥٣ من الدستور المصرىّ الذى ارتضاه الشعب بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، التى استرددنا بها ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ التى سرقها الإخوان الإرهابيون وتيارات الإسلام السياسى يوم ١٩ مارس.
والحقُّ أن تلك المادة، ما كان يجب أن يتضمّنها أىُّ دستور، لأنها من طبائع الأمور. لماذا لم ينصُّ أىُّ دستور فى أى بقعة من بقاع الأرض على مادة تقول، مثلا: «من حقّ كل مواطن أن يتنفس الهواء، ويشرب الماء، وأن يخلد للراحة الأبدية إن انتهى أجلُه»؟، لأن الهواء والماء منحٌ أبدية من السماء لسكّان كوكبنا، من حقّ كل بشرىّ أن يملأ به رئتيه ليحيا؛ ويرتوى الظِّما، وإن انتهى أجلُ إنسان بأمر الله، فله أن يخلد للراحة دون أن يزعجه أحدٌ؛ ذلك منطق الأشياء. لهذا لا مادة فى دستور تناقشُ بدهيات كتلك، وإلا صار دستورًا طفوليًّا يشير إلى الوردة قائلاً: «هذه وردة».
لكنْ يحدث، فى مجتمع رجعىّ ما، أن ينسى الناسُ البديهيات، نتيجة عوامل كثيرة مثل سيطرة تيار فاشىّ على عقول البسطاء، أو نفوذ حكومات تسلطية على مقاليد الحكم، أو مصالح طوائف تتعارض مع بديهيات أولية استقرّ عليها العالمُ منذ نضج وعيُه. هنا يأتى حكماءُ ذلك المجتمع ويعيدون على الناس بديهيات الأمور، ويكتبونها فى لائحة رسمية تُعلّق على أسوار المدينة، حتى يقرأها القاصى والدانى، ويُسمّونها: «الدستور». فيبدأون من أول السطر وكأنهم يعيدون اختراع العجلة بعد عدة قرون من استقرارها فى بلاد أخرى. هنا تأتى دساتيرُ تنصُّ على وجوب العدالة، وكأنها اختراع! وعلى عدم التمييز، وكأن التمييز جائز، وعلى معاقبة مُشعلى الفتن، وكأنه يليق ألا نعاقبهم بإقصائهم عن المجتمع!.
لكن العُرفَ فى المجتمعات الرجعية، أقوى من القانون. فيستمرُّ مشعلو الفتن فى غرس بذور العنصرية والطائفية والتمييز، دون أن يوقفهم القانون. فيخرج على الناس أناسٌ يحملون مشاعل التنوير، يجوبون طرقات المدينة، منادين بالعدل والمساواة والتحضّر والجمال. فيمقتُهم مشعلو الفتن ويثيرون حولهم الشكوك ويحيكون المكائد وينسجون الشائعات الكذوب، ويزعمون أمام العامة والبسطاء أن أولئك التنويريين أعداءُ الله! وكأن الله (العدل) يأمر بالظلم والغُبن والتمييز. ويحدث أن يصدق تلك الخزعبلات نفرٌ من الناس، فيحلمون خناجرهم ويقتفون ظهور التنويريين، ثم يطعنون من الخلف. عشراتٌ من التنويريين قضوا نحبهم نتيجة تلك المهزلة التى تتكرر منذ بدء التاريخ، ولن تتوقف مادامت الرجعية. ابن رشد والحلاج والسهروردى وابن عربى وابن المقفع وفرج فودة، وبعضهم اغتيلوا معنويًّا مثل طه حسين ونصر حامد أبوزيد وأحمد لطفى السيد.
وقصة الأخير طريفةٌ تدعو للضحك. قرر المفكر التنويرى أحمد لطفى السيد الترشّح للبرلمان المصرى أوائل القرن الماضى. وكان ينادى بقيم العدل والمساواة والديمقراطية. فأشاع خصومُه أن الديمقراطية دينٌ جديد ينادى بالكفر، وأن الأستاذ ترك الإسلام واعتنق الديمقراطية. فلما أقام لطفى السيد مؤتمرًا جماهيريًّا لعرض برنامجه الانتخابى سأله أحدُ الحضور: «أنت ديمقراطى؟»، قال: «نعم». فانصرف الناسُ عنه، وخسر البرلمانَ، وأصبح خصمُه نائبًا عن الشعب.
فى المجتمعات المثقفة يُحمل على الأعناق مَن ينادى بمبادئ الإنسانية والحق والخير والجمال، ويوضع مُشعِل الفتن وراء القضبان؛ حتى تتطهر روحه من ميكروب العنصرية. وفى المجتمعات الظلامية يُحمل الطائفىُّ فوق الأعناق، ويحارَب مَن ينادى بمبادئ الإنسانية والمساواة والحق والخير والجمال.

No comments:

Post a Comment