Translate

Monday, December 21, 2015

سُبحان مُغيِّر الأحوال بقلم د. محمود عمارة ٢١/ ١٢/ ٢٠١٥

سافرت لأكتر من شهر ونص بعيداً عن المحروسة.. تركتها بداية نوفمبر فى حالة يُرثى لها.. الكل كان مُكتئباً.. فالدولار كان يقفز إلى مستويات قياسية، وأسعار السلع الغذائية فى حالة جنونية.. وجاء تشكيل حكومة شريف إسماعيل مُخَيِّبا للآمال.. وانخفاض أسعار البترول يشير إلى توقف المساعدات الخليجية.. وارتفاع سد الخراب المستمر- فى ظل تصريحات «فشنك» لوزير الرى- أدى إلى قلق المصريين، وهلع للمتخصصين.. وكملت بسقوط الطائرة الروسية، لتطفئ الفنادق أنوارها، وتتشرد العمالة، ويتوقف وصول النقد الأجنبى من قطاع يمكن أن يكون شرياناً، لضخ الدم فى جسد اقتصادنا الوطنى، الذى يعانى من أنيميا مُزمنة!!
سافرت والناس- كل الناس- مُكتئبة.. فاقدون للأمل.. مرعوبون مما يخبئه المستقبل.. والشباب لم يعد أمامه سوى ركوب البحر، هربا من حالة اليأس.. والحكومة الجديدة كانت خرساء صامتة!!
حتى ما طرحناه من «وزارة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة»، وأيَّده الرئيس، بل أعلن عنه، تجاهلته الحكومة عند تشكيلها..
وبعض الإعلاميين السفهاء يزيدون الطين بلة، بالتطبيل والتهليل والتدليس.. لتتسع المسافة بين ما يُقال مساءً، وما يلمسه الناس فى الصباح.. وإعلاميون يعملون لحساب «الحرامية» من رجال أعمال عُتاة فى الإفساد والفساد يُهدِّدون ويتوعُّدون كل مَن شارك فى ثورة ٢٥ يناير، محاولين إعادة الماضى ليستعيدوا سطوتهم ونفوذهم وسرقاتهم.. والناس تتساءل عن الأجهزة التى تعاونهم «بالتسجيلات» غير القانونية، وكيف تصمت مؤسسة الرئاسة على أفعال هذه الأجهزة الأمنية، وعلى هؤلاء البلطجية؟!!
سافرت من القاهرة مشبَّعا بهذا الجو الخانق والمحبط إلى باريس ومنها إلى كاليفورنيا.. ولا حديث لنا مع زملاء المهجر إلا عن أحوال مصر، والحلم الذى يتبخَّر أمامنا.. حلم بناء مصر الجديدة، الذى حلمنا به لسنين طويلة.. وكنا دائما متصوِّرين أن إزاحة مبارك- هذا «الفاسد الأعظم» مع شلته- ستكون كافية لطيران مصر إلى سماء العالمية، بما نملكه من كنوز وموارد طبيعية وبشرية، وعقول بالداخل والخارج، وخبرات ومدخرات المغتربين المتحمسين للعودة، ليشاركوا فى بناء وطنهم الأم مصر!!
فى «لوس أنجلوس» كانت صورة صديقنا زاهى حواس بقبعته الشهيرة تتصدَّر غلاف الجرائد المحلية، والصفحات الداخلية ممتلئة بأحاديثه المثيرة عن أجدادنا الفراعنة.. ونحن نلتقى كل مساء مع رموز الجاليات المصرية هناك.. نُطمئنهم ونُجيب عن استفساراتهم.. نطرح أفكاراً ومبادرات لإحياء حلمنا القديم.. حلم بناء مصرنا الجديدة، وكيف نُساهم جميعا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى يقف الوطن على قدميه، ويستعيد مكانه الذى يستحقه على الخريطة العالمية!!
فمَن اقترح «طابع دمغة بمائة دولار».. يُباع فى القنصليات والمطارات، لبناء قصر عينى بكل محافظة.. ومَن اقترح مشاركة أبناء كل محافظة من المغتربين، مع القادرين والأثرياء من أبناء نفس المحافظة بالداخل، لاستلامها وتسليمها «مفتاح فى اليد» (تخطيطا وتنظيما، وتدريبا وتأهيلاَ، وبكل ما تحتاجه من تكنولوجيا ومُعدَّات).. وعشرات الاقتراحات بالمساهمة والمشاركة عمليا وماديا، بالاستثمار فى مشروعات تُغنينا عن نزيف الاستيراد!!
وضرب أحدهم مثلاً: بأن هناك مليون مصرى، من أصل ١٢ مليون مغترب، مستعداً لاستثمار (فى المتوسط) ٢٠٠ ألف دولار فى مشروعات مدروسة الجدوى من جانب الدولة، أو بمحور قناة السويس عند عرض مشروعاته، وهذا يساوى ٢٠٠ ألف مليون دولار (أى ٢٠٠ مليار $)!!
وكان السؤال: نروح لمين؟ ومن أين نبدأ؟.. وكلنا يعرف سطوة البيروقراطية، وفساد المحليات، وطول الإجراءات، ورعشة يد المسؤولين من تضارب التشريعات والقرارات!!
الخلاصة: أن الكل مُستعد وجاهز ومتحمِّس.. وثقتهم فى السيسى بلا حدود.. فهل نستغل هذا الاستعداد والحماس مرة أخرى، ليشاركوا بعقولهم وخبراتهم ومدخراتهم؟
عُدت إلى مصر وسبحان مُغيِّر الأحوال.. الروح المعنوية مُرتفعة لحد كبير عند كثيرين.. وحديث الناس يغلب عليه الأمل، وكثيرون يتحدثون عن نجاح الدولة فى السيطرة على الأسعار، وجشع التجار.. وعاد الناس يتحدثون عن موقف السعودية ودعمها للاقتصاد، بحزمة كبيرة ومتنوعة من الاستثمار فى مشروعات، بالإضافة إلى استمرار المعونات.. وأهل السياحة آملون فى اقتراب عودة السياحة الروسية والبريطانية بداية العام الجديد.. والصحافة تتحدث عن مشروعات الدولة فى الطرق والطاقة النووية، والمليون فدان (رغم تحفظاتى على إدارة هذا المشروع الكبير بالأساليب البدائية والأفكار التقليدية)!!.. وها هى خارطة الطريق قد اكتملت بمجلس نواب جديد!!
باختصار: أستطيع أن أُجزم بأن حالة كثيرين قد تغيّرت إلى الأفضل.. فمن شهر ونص غير النهارده.. النهارده الحالة النفسية أفضل بكثير.. وكثيرون من الإخوة العرب (كويتيين وإماراتيين وبعض الخواجات) يُعبرون لك عن استعدادهم لضخ استثمارات بالمليارات.. وكل مطلبهم هو الشفافية، ووضوح القوانين، وعدم التعامل مع الموظفين!!
الخلاصة: أن الكرة عادت لملعبنا من جديد.. فالشعب أصبحت لديه طاقة جديدة من الأمل.. بعد أن قدمت لنا المؤسسات الدولية ما طلبناه من قروض مُيسَّرة ومعونات مُشجِّعة.. والخليج عاد من جديد مُتحمِّسا وراغبا ومبادرا.. وأبناء مصر بالخارج جاهزون وجادون ومستعدون بخبراتهم ومدخراتهم!!!
السؤال:
يا حكومة، ويا مجلس نواب، ويا جهازنا الإدارى، ويا مَن نصَّبوا أنفسهم كإعلاميين، ويا أيها الشعب.. ماذا نحن فاعلون.. وربنا كل شوية يبعت لنا فُرص بلا حدود؟
فهل يتحرَّك كل واحد منا بمسؤولية، ويبنى طوبة حقيقية فى جدار هذا الوطن.. ونخلِّى عندنا دم ونقوم نشتغل بضمير وبجدية.. فالعالم كله يراقب أحفاد الفراعنة.. وينتظر كيف سيبنون وطنهم بعد أن زالت كل حججهم، وأثبت العالم كله (إلا قليلا) أنهم مع أم الدنيا قلبا وقالبا (مؤسسات دولية، وحكومات خليجية، واستثمارات عربية، وعودة للسياحة الخواجاتية).. ناقصنا إيه؟؟
ولا عايزين نُقعد، ونعلَّق خيبتنا وكسلنا (تااانى) على شماعة «المؤامرة الكونية»؟؟!!

No comments:

Post a Comment