Translate

Monday, December 14, 2015

هل فات أوان مصالحة المسلمين مع الغرب؟ د. خالد منتصر

وصلنى من د.عمر عكاشة من فنلندا تعليق مهم على سلسلة مقالاتى التى أتساءل فيها «متى يتصالح المسلمون مع العالم؟»، يقول فيه:
مع اتفاقى ووجهات النظر التى تفضلت بعرضها، والتى تضمنت تحليلاً وافياً وموجزاً لجذور التطرف الدينى، إلا أننى أود فقط أن أشير - بناءً على تجربتى فى أوروبا - بأن هذه المصالحة تعد الآن أصعب من أى وقت مضى. فحتى لو افترضنا أن المسلمين فى أوروبا وغيرها سيدركون الوضع الخطير الذى وصلوا إليه، من حيث الانطباع فائق السلبية لدى العالم عنهم، وحتى لو قرروا تحويل مسار فكرهم إلى الانفتاح (الذى لا يعنى فقدان الهوية!)، إلا أننى أعتقد أننا وصلنا لنقطة يصعب الرجوع منها. إن الصدمات المتتالية التى أشرت لها، بدءًا من هجمات سبتمبر وانتهاءً بهجمات باريس، تركت الغرب غير واثق، وربما غير مكترث، بأى محاولة للتصالح.
أتكلم من خلال تجربتى فى فنلندا، ففى شهور قليلة كنت شاهداً على تحول الفنلنديين من أمة مسالمة غاية فى التسامح إلى شعب غاضب خائف على هويته وأمنه، هذه الأمة التى عرض رئيس وزرائها منزله لاستضافة اللاجئين فى الوقت الذى كانت فيه المجر تبنى الأسوار لمنعهم من دخول أوروبا، أصبحت - كما هو الحال فى أوروبا - مرتابة نحو أى شىء له علاقة بالإسلام. أوروبا التى ارتفع فيها صوت الإنسانية على صوت الأمن القومى منذ وصول القوارب الأولى شواطئ اليونان، فى الوقت الذى أشارت فيه إحصائيات الأمم المتحدة إلى صفر الخليج العربى (الثرى المسلم) فى استضافة اللاجئين السوريين. أوروبا التى لم تكد شوارع عاصمة النور فيها أن تجف من دماء شارلى إيبدو حتى أريقت دماء جديدة، وكلما علا فيها صوت العقل أسكتته أصوات التكبير والرصاص! لو كانت هنالك فرصة للمصالحة فهجمات باريس التى أسكتت الموسيقى فى الباتاكلان أيضاً أسكتت العقلاء ليس فى فرنسا فقط ولكن فى أوروبا التى تتفاعل كوطن واحد مهما اختلفت لغاته. هؤلاء الذين أطلقوا الرصاص وفجروا أنفسهم هم أيضاً أوروبيون، وقد تعرضت فى مقالك لهذا التناقض، فكيف كان؟ اتضحت جذور المأساة بالنسبة لى - كما تلاشت نظريات المؤامرة - عندما التقيت بشخص يقيم فى فرنسا منذ خمسة عشر عاماً، لديه سبعة أبناء، ويعمل فى «الدعوة إلى الله».. وفى الحقيقة يعيش على المعونة الاجتماعية، لكنه رفض الحصول على الجنسية الفرنسية «بسبب مانع شرعى»، هذا المانع هو شرط القَسَم على احترام الدستور الفرنسى الذى يحترم حقوق المثليين، نفس الدستور الذى يضمن معونته الاجتماعية فى حين انشغاله بالدعوة إلى الله، أعتقد أن أحداً لن تفاجئه صورة أحد الأبناء السبعة فى نشرات الأخبار بعد تفجير انتحارى فى أحد مطاعم باريس!
الضرر قد وقع والثقة أصبحت مفقودة. تسجَّل الآن أعلى معدلات لجرائم الكراهية ضد المحجبات وكل من يسهل تمييز إسلامه فى أوروبا، فكل ما تحتاج معرفته الآن هو اسمى، كما أشرت فى مقالك، وهو الآن أقوى من أفكارى مهما كانت مستنيرة ومتحررة. وُصمنا بالإرهاب، بل وأكثر: الاغتصاب! فمنذ تدفق اللاجئين فى فنلندا، سجل ارتفاع فى حالات الاغتصاب والجرائم الجنسية ضد النساء - والمراهقات - الفنلنديات. أحدث التقديرات تشير إلى أن 35٪ من حالات الاغتصاب ترتكب من قبل اللاجئين أو طالبى اللجوء. ما يزيد الأمر سوءًا - كما يثير الدهشة - أنه لا يمكن للحكومة الفنلندية رفض طلبات اللجوء من أولئك الذين أدينوا بالاغتصاب، فعلى حد تعبيرهم يعد هذا انتهاكاً للقانون الدولى! ذلك وهم يدركون أن العديد من طالبى اللجوء كانوا مقاتلين ومرتزقة، روتينهم اليومى عبارة عن كوكتيل من القتل والاغتصاب وقطع الأيدى وصلب الأجساد ودهسها بالدبابات. النتيجة؟ التقطت الأحزاب ووسائل الإعلام اليمينية المتطرفة فى أوروبا هذه الخيوط، ونسجوا صورة لمسخ يدعى الإسلام، ولا يمر يوم إلا ويتم تجنيد عدد أكبر من أولئك الذين كانوا بالأمس على الحياد، أو حتى كانوا عقلاء، دفعتهم أصوات التكبير للذود عن «هوية أوروبا».
دكتور خالد، نحن حقاً فى حاجة ماسة إلى المصالحة، ليس فقط مع الغرب، ولكن مع أنفسنا. انظر للمهاجرين من الخلفيات الآسيوية واللاتينية لترى اختلافاً كبيراً، يعيشون فى أوروبا فى سلام وفى وئام تام مع الدول المضيفة. يتفوقون فى عملهم ولا تعنيهم اختلافاتهم عن الثقافة الأوروبية من قريب أو بعيد. ماذا عن المسلمين؟ فغيض من فيض صفاتنا صارت هى: الإنتاجية المنخفضة والاعتمادية شبه المطلقة على الرعاية الاجتماعية، العزلة الاجتماعية، ارتفاع معدلات الجريمة، أضف إلى ذلك الإرهاب - والاغتصاب حديثاً - لينتهى بك المطاف عند أكثر الأقليات بغضاً فى أوروبا، وأشدها تهديداً للسلم الاجتماعى.
أتساءل فى ضوء كل ذلك: كيف السبيل للمصالحة؟ فحتى إن تمكن المسلمون من محو هذا السجل الحافل من التناقض والعنف، فسيكون من الصعب استرجاع الثقة فى ظل تقدم اليمين المتطرف الذى أهدى له المسلمون فرصة لن تعوض. سمعت نداءك وأنا أشعر بالأسف، فربما فات أوان المصالحة!

No comments:

Post a Comment