Translate

Saturday, December 19, 2015

هنرى كوريل ومحمود العسال بقلم د. وسيم السيسى ١٩/ ١٢/ ٢٠١٥

الأوطان قبل الأديان، فالله خلق الأرض أولاً ثم خلق الدين بعد ذلك، وكما أن للبيت «الكعبة» رباً يحميه، كذلك الدين، له رب يحميه، أما الوطن فليس له إلا أنا وأنت أولاً وأخيراً.
لقد عبر عن هذا المعنى توماس جيفرسون حين قال: نحن لا يهمنا لونك أو دينك، يهمنا أن تعطى هذا البلد أفضل ما عندك، وسوف يعطيك هذا البلد أفضل ما عنده.
مصر فى عصرها الذهبى «النصف الأول من القرن العشرين»، كانت الكفاءة وليس الدين أو القرب من الحاكم أو القوة المالية هى سلم الصعود للمناصب العليا، فنجد ويصا واصف، محطم السلاسل «سلاسل الملك فؤاد للبرلمان»، كما نجد السيد طناش اليهودى عضواً من أعضاء البرلمان، ولأنه كان يسمع ويكتب أكثر مما يتحدث، فقد أصبح هذا الاسم صفة شائعة فنقول: فلان كان قاعد آخر طناش!
فرحت بمقترح أ. أسامة القوصى، ونشره أ. حمدى رزق بتعيين الأستاذة ماجدة هارون، رئيس الطائفة اليهودية، عضواً بالبرلمان الجديد ٢٠١٥.
يحدثنا أ. د. مصطفى الرفاعى فى كتابه: خواطر طبيب، كيف كانوا ثلاثة أصدقاء: محمود العسال، مصطفى الرفاعى، زكى شالوم، خرج اليهود المصريون فى عهد عبدالناصر، ومعهم زكى شالوم، وفى حرب ١٩٦٧ بث راديو إسرائيل سمومه: أبشروا أيها المصريون لقد عيّنا لكم حاكماً لغزة وسيناء، مصرى مثلكم، زكى شالوم من الزقازيق!
فوجئ د. مصطفى الرفاعى بمحمود العسال يريد الاختباء عنده قائلاً: النذل زكى شالوم عاوز يودينى فى داهية، يطلق سراح الأسرى المصريين ويقول لهم: السلام أمانة سلموا لى على مصطفى الرفاعى فى إسكندرية، ومحمود العسال بكفر النحال بشارع الغندور بالزقازيق! شوف ابن.... يخونه العش والملح، عاوز يخرب بيتى الله يخرب بيته! بعد بضعة أسابيع أعلن راديو إسرائيل: عزل زكى شالوم من منصبه لتعاطفه مع المصريين! ألم أقل لكم الأوطان قبل الأديان!
هو ذا هنرى كوريل المصرى اليهودى.. شريداً طريداً فى باريس، يتصل بثروت عكاشة، وزير الثقافة فى عصر عبدالناصر، يخبره بخطة وموعد العدوان الثلاثى ١٩٥٦ قبلها بأربعة شهور، فلا يصدق عبدالناصر ذلك ويجرده من الجنسية المصرية!!
ويتم العدوان فى موعده، ويطلب ثروت من عبدالناصر أن يرد لهنرى كوريل جنسيته المصرية، وأن يعود لوطنه مصر لأنها أمنيته، فيرفض عبدالناصر، وينضم هنرى كوريل لجيش التحرير الجزائرى ضد فرنسا، وبعد التحرير، يتبرع هنرى بقصره فى الزمالك لدولة الجزائر حتى يصبح سفارة الجزائر فى القاهرة! مرة ثانية الأوطان قبل الأديان، ألف رحمة عليك يا هنرى كوريل.
منذ بضع سنوات تقدمت ببحث فى جراحة الكلى والمسالك البولية فى فيينا «النمسا»، وعند النقاش دافع عن وجهة نظرى رجل لا أعرفه، وفى وقت الاستراحة بين الجلسات قدم لى نفسه: أنا بروفيسور موريسيو، أستاذ الكلى والمسالك فى جامعة تل أبيب، لقد زارنا أ. د. محمود بدر... إلخ، وبعد عودتى للقاهرة وصلتنى دعوة من جامعة تل أبيب لإلقاء محاضرات هناك، ولى أن أحدد الموعد والمدة التى أراها مناسبة، ولكن اعتذرت عن هذه الدعوة فليس هذا وقتها المناسب.
منذ بضعة أيام حدثنى الدكتور أسامة الغزالى حرب كيف كان مع الرئيس السادات فى زيارته لإسرائيل، وكيف كان الإسرائيليون يتحدثون معه باحترام شديد، ليس معه فقط بل مع كل المصريين، قلت له: إنه المخزون الحضارى، والجينات الحضارية التى عاشوا بها، ومنها، وعليها.. إنها مصر يا أسامة!

No comments:

Post a Comment