Translate

Monday, July 25, 2016

إلياس حرفوش يكتب: الخوف أصبح الناخب الأقوى فى الغرب ٢٥/ ٧/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية
الخوف الذى يسيطر على الناس فى شوارع المدن الغربية أصبح الناخب الأقوى، وهو الذى سيكون لصوته التأثير الأكبر فى صناديق الاقتراع. وسواء كان هذا الخوف من مجرم قاتل، يرتكب مذبحته منفرداً بين جموع المتسوقين، كما فى ميونيخ، أو من شبكة مجرمة تتعاون على تنفيذ الجريمة، كما حصل فى باريس وبروكسل، وكما أخذ يظهر من التحقيقات فى مذبحة نيس قبل أسبوع، فإن خوف المواطن الأوروبى من الراكب أسمر البشرة الجالس إلى جانبه فى القطار، أو من الملتحى الداخل إلى مقهى الحىّ، أصبح يحرك اتجاهات الرأى العام نحو المطالبة بمزيد من الانعزال، وبإحكام الأقفال على مداخل الأبواب والنوافذ.
فى مناخ كهذا، يصبح العقل مشلولاً، ولا يعود الاحتكام إلى الحوار علاجاً مجدياً. الغرائز تتحكم فى السلوك وفى القرار، وهى التى تدفع قادة- يعرفون كيف يمكن استغلال هذه الغرائز- إلى الصفوف الأولى. ومهما حاول المسؤولون الأمنيون التخفيف من وقع الصدمة على مواطنيهم، مرة بالقول إن المجرم مختل عقلياً، أو إنه يتصرف منفرداً من دون توجيهات أو فتاوى «داعشية»، فإن انعدام الثقة فى الإجراءات الأمنية والحذر من كل شكل غريب أو لهجة غريبة أصبحا هما المحركين الحقيقيين لردود فعل المواطن الغربى.
فى مناخ كهذا، لا يعود غريباً أن يحظى رجل مثل دونالد ترامب، لا يملك من صفات الزعامة سوى القدرة على إثارة الغرائز العنصرية، بما حظى به من تصفيق وهتاف فى مؤتمر الحزب الجمهورى، ولا أن يصبح بوريس جونسون وزيراً للخارجية فى بريطانيا، على خلفية «مآثره» فى إثارة الخوف فى نفوس البريطانيين (الإنجليز خصوصاً) من هجوم المقبلين من دول الاتحاد الأوروبى أو اللاجئين من حروب الشرق الأوسط على وظائفهم ومدارس أولادهم وأَسِرّة مستشفياتهم. كما لن يكون مستغرباً أن نرى فى العام المقبل مارين لوبان، زعيمة «الجبهة الوطنية» فى فرنسا، تتأهل للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وتدخل ربما إلى قصر الإليزيه كأول رئيسة للجمهورية الفرنسية. أو أن نرى أنجيلا ميركل تخسر الانتخابات بعد أن وجهت الدعوة لاستضافة مليون لاجئ فى ألمانيا.
«أمريكا أولاً» كان شعار دونالد ترامب فى المؤتمر الذى    كرّسه مرشح الجمهوريين للرئاسة فى نوفمبر المقبل، أى الدعوة إلى مزيد من العزلة. ومع هذا الشعار كان الوعد بإعادة الأمن إلى الشوارع الأمريكية: «الجريمة والعنف اللذان يهددان بلدنا سينتهيان قريباً، وأعنى قريباً جداً. مع ٢٠ يناير ٢٠١٧ سيستتب الأمن من جديد».
تحت شعار الانعزال، والوعد بتحقيق الأمن، خاض قادة حملة «البريكسيت» معركتهم، وكسبوها فى بريطانيا، ومثلما توقعت القلّة أن تنجح مجموعة السياسيين الذين خاضوا هذه الحملة وباعوا الناس أوهاماً ووعوداً فارغة، فإننا قد نفيق صباح ٩ نوفمبر المقبل، لنجد أن دونالد ترامب فى طريقه إلى البيت الأبيض.. وكل ذلك بفضل الناخب الأكبر.. الخوف.
هذا الاندفاع الغربى وراء قادة شعبويين مثل هؤلاء ينعكس سلباً على الصورة الليبرالية التى تريد المجتمعات الغربية أن تقدمها عن نفسها. أمام موجة الخوف المنتشرة، يفقد العقلاء كل حيلة ومنطق فى الدفاع عن مواقفهم. ولا يبقى فى الساحة إلا المتطرفون من هنا وهناك الذين يخدم بعضهم بعضاً. من جهة، هناك مَن يغذّون هذا الخوف، سواء كانوا «داعشيين» أو «ذئاباً منفردة»، أو حاقدين موتورين، ومن جهة أخرى، هناك السياسيون الغربيون الذين يسعون إلى الإفادة من حالة القلق الأمنى لدعم مواقعهم، ولو كان ذلك على حساب القيم التى كانت المجتمعات الغربية رائدة فيها.
أما الضحية الأخرى فستكون مجموعات المهاجرين الذين قدموا من قلاقل المجتمعات العربية والإسلامية ومصائبها ليجدوا فى دول الغرب فرصة لتحسين ظروف حياتهم ومستقبل أبنائهم. مع موجة الخوف التى تتسع واستفحال الغرائز التى تفقد حدودها، يصبح مصير هؤلاء فى مهب الريح عندما يبدأ السياسيون الغربيون تطبيق شعار «بلادى أولاً».

No comments:

Post a Comment