Translate

Saturday, July 16, 2016

المدنيون صنعوا مجد جمال عبدالناصر.. وقضايا أخرى بقلم د. عمار على حسن ١٦/ ٧/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

( ١ )
لولا عطاء ثورة ١٩١٩ المدنية ما كان للضابط جمال عبد الناصر أن يمضى خطوة واحدة إلى الأمام. فقد أتيح لناصر، الذى كان مولعا بالقراءة وليس كغيره ممن يعشش الجهل فى رؤوسهم، الاستفادة من الزخم الفكرى والسياسى والاجتماعى لهذه الثورة العظيمة، فانعكست قراءته لأعمال طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومحمد مندور، وما خط الاشتراكيون المصريون معالمه، على رؤيته للمجتمع والعالم.
وحين تولى المسؤولية، لم يزعم كذبا أنه فيلسوف يعرف كل شىء ولا يحتاج إلى أحد، بل اعتمد بقوة فى إدارة شؤون الدولة على شخصيات مدنية رفيعة أنتجتها جامعات مصر ومؤسساتها أو تلقت تعليما فى الأكاديميات الغربية، وليس أبلغ فى هذا من اتخاذ على ماهر باشا، صاحب الخبرة فى إدارة مُلك فاروق الأول، جسرا ليصل بضباط يوليو إلى العهد الجديد، بدلا من أن يزعم ناصر أنه يعرف فى شؤون الحكم، ويُفرِّغ الرئاسة من الكفاءات والخبرات المدنية الحقيقية.
كان طه حسين هو من منح «حركة الضباط» اسم الثورة، ولعب دورا بالغ الأهمية فى تقديمهم للناس، وأعطاهم فتحى رضوان من شرفه وفهمه وصيته الكثير، وفعل الأمر نفسه قضاة فى مجلس الدولة على رأسهم عبدالرزاق السنهورى. واعتمد ناصر على مجموعة شبان مدنيين نابهين فى إدارة البلاد، فى مقدمتهم عزيز صدقى فى الصناعة، وحسن عباس زكى فى الاقتصاد والمالية، وحلمى مراد فى التعليم، وهناك عبد المنعم القيسونى ومصطفى خليل وسيد مرعى وحلمى السعيد.. الخ. وكان هذا اعتمادا حقيقيا، وليس شكليا مثل ذلك الذى ينظر إلى المسؤولين المدنيين باعتبارهم سكرتارية أو قلائد زينة فى عنق من يحكم. وقد وصل إيمان ناصر وثقته فى المصريين المدنيين النابهين أنه أشرك المهندس حلمى السعيد فى التحقيق فى قضية انحراف جهاز المخابرات بعد هزيمة ١٩٦٧.
واختلت المعادلة التى سار عليها عبد الناصر حين ظن أن بوسعه أن يستفيد من الخبرة الفنية أو التقنية للمدنيين مع رفض شروط وأحوال السياق العام الذى نمت فيه خبرتهم، وأساسه الحرية والتعددية والتفكير المفتوح على المختلف والآخر، وهو ما تجسد فى أقبح صوره فى التنكيل بالسنهورى. وزاد الاختلال مع قيام عبد الحكيم عامر، فى إطار صراعه مع ناصر، بتعزيز وجود تابعيه من ضباط الجيش فى المؤسسات المدنية وأجهزة الحكم المحلى، وهو تقليد استمر فيما بعد، وتعزز باستمرار، وها هى المحليات صارت أفسد الأمكنة فى مصر. ثم جاء ضابط آخر، وهو السادات، ليقود القوى التى عملت فى الاتجاه المضاد لعبد الناصر، وجاء ضابط ثالث، وهو مبارك، ليصفى مشروع ناصر تماما، فى تناقضات وتقلبات وتخبطات عجيبة، رغم أن المزاعم والادعاءات والدعايات استمرت على المنوال نفسه أيام كانت فى عهد ناصر، مع الفارق الكبير بين وجود مشروع وطنى حقيقى أيام عبد الناصر، وغياب هذا المشروع الآن، وكل ما فى الأمر حركات وتصرفات وقرارات وإجراءات مظهرية لا طائل منها، بل تشد بلادنا إلى الوراء.
وحين قامت ثورة يناير ساعية إلى مدنية الحكم، لأنها الطريقة الوحيدة لصناعة دولة حديثة، وجدت فى طريقها عثرتين كبيرتين هما: الجماعات والتنظيمات التى توظف الإسلام فى تحصيل السلطة والثروة، وبقايا ميراث يوليو، وهما طرفان تحالفا فى البداية لتفريغ الثورة من مضمونها، ثم تشويهها ونعتها بالمؤامرة، حتى تفقد قوة الدفع والقدرة على التغيير فتبقى الأمور على حالها، ثم أدى صراعهما، الذى لا يزال مستمرا، إلى تكريس القديم وتبريره، مع زيادة فى جرعات التضييق والتقييد وتفزيع الناس وتخويفهم حتى يرضوا بالوضع القائم، رغم أننا نسير معه إلى الهاوية.
( ٢ )
إذا أردت أن تحكم على أى سلطة حاكمة فانظر إلى من يدافعون عنها عن اقتناع وليس عن مصلحة أو هوى، واسأل نفسك: من هؤلاء؟ ما هو مستواهم الثقافى أو العلمى؟ وما تاريخهم فى النفاق والمداراة والمداهنة؟ وما علاقتهم بالفساد والمفسدين؟ وما هى تقلباتهم وتحولاتهم المرتبطة بانتهازيتهم؟ وما مستوى التناقض بين ما يقولونه فى الغرف المغلقة وما يكتبونه فى الصحف أو ينطقون به أمام الكاميرات أو الميكروفونات وفى الندوات المفتوحة؟ وما مقدار الثبات والاتساق فى مواقفهم؟ وما مدى رضا السلطة عنهم واعتمادهم بوقا لها أو متحدثين باسمها أو مدافعين عنها؟.. ومن حصيلة هذه الإجابات ستعرف الكثير عن نظام الحكم، ورأس السلطة، وستحكم على كثير من تصوراته وتصرفاته، وتدرك حجم الخديعة التى يتعرض لها الشعب.
( ٣ )
إن تصالحت السلطة الحالية مع تنظيم الإخوان، الذى خان ثورة يناير وأساء إلى أهل بلادنا، تكون قد خانت الشعب المصرى، الذى لا يرفض دمج الإخوان كأفراد فى المجتمع طالما لم يحملوا السلاح أو يحرضوا على القتل والتخريب والتدمير، لكنه لا يريد إعادة الإخوان كتنظيم، يتصرف على أنه فوق المجتمع وفوق الدولة، يرفض الوطنية والمدنية والعلنية والسلمية، ويتصرف مكتب إرشاده على أنه وكيل الله فى الأرض.
إننا نسمع حديثا رسميا يتصاعد من الهمس إلى الجهر، وينتقل من الصامتين إلى الصائتين، عن احتمال المصالحة تلك، بغية إعادة تنظيم الإخوان ليؤدى وظيفته التاريخية فى مساندة السلطة أو ممالأتها، وإنتاج خطاب وممارسات تعوق ميلاد الدولة المدنية، وتبرر القمع، وهى وظيفة جعلت السلطة فى مصر إن خُيرت بين الإخوان وأتباعهم وبين أنصار الدولة المدنية، الذين يطالبون بتداول السلطة والتعددية وصيانة حقوق الإنسان وتوافر الحريات العامة، اختارت الإخوان، للأسف الشديد.
لا يختلف اثنان على أهمية السلم الاجتماعى لبلدنا فى الوقت الراهن، لكن هذا يجب أن يتحقق فى إطار عدالة انتقالية وليس من خلال الصفقات التى تبرم فى الخفاء، وتريح السلطة حاليا، لكنها تتعب الدولة والمجتمع فى المستقبل.
( ٤ )
أعتقد أن ترشيح الخارجية المصرية السفيرة مشيرة خطاب لمنصب مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ليس الاختيار الأمثل، ولو أمعن الذين اختاروها، أو غلبوا المصلحة الوطنية على العلاقات الشخصية وضمانات الولاء والتبعية للحكم، لوجدوا فى مصر من لديهم حظوظ أكبر فى الفوز.
إن السلطة الحالية تقع فى الخطأ نفسه الذى وقعت فيه السلطة أيام حكم مبارك حين أصرت على ترشيح فاروق حسنى مع أن كل المؤشرات كانت تدل على سقوطه فى العملية الانتخابية. والشخصيات المحلية التى ترضى عنها السلطة ليست بالضرورة الأصلح لتمثيل مصر، فهناك شخصيات أخرى أجدر بالترشح لهذا المنصب لها صيت عالمى، وعلاقتها بالثقافة والتعليم وأوساطه قريبة ومتطابقة أكثر من خطاب، مهما كانت كفاءتها كدبلوماسية، أو خبرتها فى مجال الأمومة والطفولة وقضايا السكان.
وتلعب ترتيبات وتربيطات الحكومة مع الدول الأخرى دورا بارزا فى حسم النتيجة، إلى جانب المؤهلات الشخصية للمرشح وقدرته على إقناع الآخرين، ولدينا حكومة متوعكة، لا أعرف كيف تدير عملية الترتيب والتربيط تلك، كما أن خطاب قد تكون لديها مشكلة فى إقناع الآخرين بأنها الأجدر بتولى المنصب.
أما عن قيام دول عربية أخرى بتقديم مرشحين، فإنه ابتداء من حق أى دولة أن ترشح من تشاء، لكن المشكلة فى تعدد المرشحين العرب هى تفتت الأصوات، إلا إذا تم التنسيق فيما بعد، وتنازلوا لمرشح واحد يمثل العرب. فى خاتمة المطاف أتمنى أن أكون مخطئا فى تصورى هذا، وتفوز مصر بهذا المنصب فى شخص خطاب، إن لم تراجع السلطة قرارها فى الاختيار، وهو ما لا أعتقد فيه، مع حكم لا يريد ولا يجيد مراجعة أى شىء.
( ٦ )
أرسل لى المحامى الأستاذ مالك عدلى، المحبوس احتياطيا بعد القبض عليه إثر اعتراضه على إعلان الحكومة أن جزيرتى تيران وصنافير سعوديتان، نص مذكرة مقدمة إلى السيد المستشار/ رئيس محكمة القضاء الإدارى ونائب رئيس مجلس الدولة، تتحدث عن التجاوزات والانتهاكات الجسيمة التى يتعرض لها فى حبسه، ومنها إيداعه زنزانة انفرادية مساحتها متران فى ثلاثة أمتار، بلا إضاءة ولا فتحات تهوية، ومنعه من أداء الفرائض الدينية بالمسجد والالتقاء مع الواعظ الدينى، ومن حقه القانونى المقرر فى التريض، ومن زيارة الزوجة والمحامين له بمقر احتجازه، وإمعانا فى البطش به رفضوا طلب المُدعية الثانية- وهى زوجته- تأثيث غرفة الحبس المودع بها زوجها حتى يتوافر لديه الحد الأدنى اللازم من القدرة على استمرار الحياة، حيث طلبت إدخال (مرتبة ومروحة) إلا أن طلبها قوبل بالرفض تحت دعوى وجود تعليمات من جهات عليا برفض ذلك.
وحملت المذكرة تفاصيل عديدة، مشفوعة بمواد قانونية، تبين أن هذا المنع يخالف القانون والدستور مخالفة واضحة، لا لبس فيها.

No comments:

Post a Comment