Translate

Tuesday, August 9, 2016

بين المواطنة والطائفة (٢) - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 9/8/2016


تُعتبر لجنة الخمسين التى أعدت دستور البلاد الحالى المسئول الرئيسى عن وضع أساس التمييز الدينى من خلال النصّ فى المادة (٢٣٥) على استصدار قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس، فقد رضخت اللجنة لموقف شيخ الأزهر الذى رفض استصدار قانون موحّد لدور العبادة، مؤكداً أنه لا مشكلة لديه بشأن بناء وترميم المساجد، وأن هناك قانوناً خاصاً ببناء المساجد، ومن ثمّ فلا مجال لقانون موحّد لدور العبادة، رضخت اللجنة سريعاً، وتنازلت عن موقف كان يمكنه التأسيس لدولة المواطنة، وكان التنازل أولى خطوات إحداث فجوات بين نصوص الدستور نفسه من ناحية، والقوانين من ناحية ثانية، والواقع الممارَس من ناحية ثالثة، فالدستور الذى ينص فى مواده على المواطنة والمساواة وعدم جواز التمييز بين المواطنين بسبب الدين، الطائفة، العرق واللغة، هو نفسه الذى ينص على عدم الاعتراف بعقائد غير الإبراهيمية، وهو نفسه الذى ينص على قانون لبناء الكنائس بمعزل عن بناء المساجد. أيضاً هناك عشرات القوانين ولوائحها التنفيذية فى مجال الأحوال الشخصية وتفاعلات البشر تُميّز بين المواطنين المصريين لاعتبارات من دين وطائفة وأصل عرقى. كذلك هناك الفجوة الكبيرة بين نصوص الدستور والواقع المعيش، خُذ على سبيل المثال التناقض الصارخ بين نص دستورى واضح وقاطع يقول بعدم جواز قيام الأحزاب السياسية على أسس دينية، طائفية، عرقية وجغرافية، ولدينا عدد من الأحزاب الدينية الخالصة، على رأسها حزب النور السلفى، ويمثله أحد عشر نائباً فى البرلمان الحالى، ورغم عشرات الدعاوى القضائية التى رُفعت من أجل حل حزب النور وغيره من الأحزاب التى تقوم على أساس دينى، فإن جميع الأحكام صدرت باستمرار هذه الأحزاب.
واليوم تستكمل الحكومة مسيرة بناء الدولة الطائفية فى البلاد، فجهّزت قانوناً لبناء الكنائس، تلاعبت ببنوده على نحو يُبقى على جوهر شروط العزبى باشا العشرة، التى تكاد تجعل بناء الكنيسة درباً من دروب المستحيل، ناورت وراوغت ودسّت كلمات تجعل القول الفصل فى بناء الكنيسة للأجهزة الأمنية وتحديداً جهاز الأمن الوطنى، عبر النص على صدور القرار من المحافظ المختص بعد الرجوع إلى الجهات المعنية، التى تعنى الأجهزة الأمنية. أيضاً حرصت الحكومة على استخدام تعبير «ممثل الطائفة» «الممثل القانونى للطائفة»، فى الإشارة إلى الطرف الذى سيتم التعامل معه من قِبَل أجهزة الدولة، وبالتالى فان المصرى المسيحى هو عضو طائفة، له من يمثله طائفياً وليس مواطناً مصرياً.
مشروع القانون الحالى لبناء وترميم الكنائس ينطوى على عشرات الألغام، ويزيد المشكلة تعقيداً، ولا يُسهم فى حلها، ولا بد من سرعة التدخُّل لإزالة ما فى نصوص القانون من ألغام حتى لا تتفاقم المشكلات، نريد قانوناً مبسّطاً يُعلى من سيادة القانون ويتعامل مع بناء الكنائس وفق مقاييس واشتراطات موضوعية تتعامل مع المصريين الأقباط، باعتبارهم مواطنين مصريين أولاً وأخيراً.

No comments:

Post a Comment