Translate

Tuesday, August 30, 2016

إبراهيم_عيسى يكتب لالمقال: خطأ الرئيس المستمر الذى سيظل مستمرًّا! 30/8/2016



كان يمكن للمسار كله بعد انتخاب الرئيس السيسى أن يصبح مختلفًا لو أدرك الرئيس يومها ما الذى يفتقده، لكن يبدو أن الرئيس السيسى حتى الآن لا يعتقد أنه ينقصه شىء، بل يتباهى فى خطب وحوارات كثيرة أنه يعرف كل شىء عن مشكلات مصر، ويعرف كل حلولها، وتكاد تسمع منه كل مرة أنه ليس فى حاجة إلى أن يقول له أحدٌ شيئًا، فهو مكتفٍ، وكل ما يريده هو أن نسمع كلامه وننفِّذ تعليماته واحنا ساكتين أو ربما واحنا مهللين مصفقين شاكرين حامدين فضله ومعجزاته!
متى يراجع الرئيس هذا المنهج فى الحكم؟
لا أظن أن هناك شواهد تشى بإمكانية هذه المراجعة ولا طبعًا التراجع، لكن مين يعرف لعل قارعة الاقتصاد تشكل عنصرًا جديدًا فى المعادلة.
كان الخطأ من اللحظة الأولى، ولكن المشكلة أنه مستمر، والأكثر إشكالاً أنه سيظل مستمرًّا.
يبقى أن الرئيس السيسى لم يشتغل يومًا فى حياته بالسياسة من حيث هى عمل عام وتنظيمى وجماعى تقوم على المحاججة والإقناع وتصارع الآراء واختلاف وجهات النظر وبناء تحالفات وصناعة موقف وقبول التعددية ونضج تغيير الرؤى والمواقع وتنحية المشاعر والعواطف وأن تجرح دون أن تسيل دمًا وأن تعارض دون أن تخاصم وأنه ليس هناك عدوٌّ دائمًا ولا صديقٌ دائمًا بل مصالح دائمة.
الرئيس السيسى ضابطٌ وطنىٌّ وابنٌ بارٌّ لمؤسسة الجيش، وهى التى تمنع العمل بالسياسة، ومن ثَمَّ لا يملك مقوماتها ولا خبرتها، بل على العكس يضمر كرهًا غريبًا لها ورفضًا فسيولوجيًّا لمكوناتها، فثقافته العسكرية تملؤه وتطغى عليه، ولم نرَها تبرحه حتى فى الشهر السابع والعشرين لتوليه منصبًا سياسيًّا هو الأهم والأرفع فى البلاد، منصب رئيس الجمهورية.
لو عُدنا إلى الفريق حسنى مبارك، حيث ظل ست سنوات يعمل كنائب للرئيس أنور السادات، لكن الأخير أناط إلى السيد أسامة الباز مهمة تأهيل نائبه للسياسة، فضلاً عن مشاركته السادات فى كل تفاصيل العمل السياسى ولو من موقع المتفرج أو المراقب، لكنه قريبٌ ومشتركٌ فى المشهد.
ورغم أننا لا يمكن أن نصف مبارك بالسياسى ونحن مرتاحو الضمير فى التوصيف، فإنه ولا شك تعلَّم من هذه الفترة واقترب من تلك الدائرة وبان عليه فى سنوات حكمه ملامح القرار السياسى، لكن الأهم أنه أحاط نفسه بمجموعة من السياسيين الذين مارسوا السياسة من موقع السلطة، لكنهم كانوا خبراء حقيقيين بضوابط العمل السياسى، مثل صفوت الشريف وأسامة الباز وكمال الشاذلى.
أما الرئيس السيسى فلم يفعلها، ومشكلة البلد ستتفاقم أكثر ما دام يُصمِّم على أن لا يفعلها، وهو إدراك أنه فى منصب سياسى لا تنفيذى فقط!
الرجل لم يفكِّر فى استكمال ما هو ناقص لديه، فيحرص على أن يحيطه رجالُ سياسة حتى لو لم يكن يستسيغ إلا الضباط والجنرالات ولا يعرف التفاهم إلا معهم.
بدلاً من أن يُعيِّن رئيسًا للحكومة يمتلك صفات السياسى وخبرته ولديه مهارات التعامل مع الرأى العام ويحوز تجربة العمل التنظيمى فى جمعيات أو تيارات أو أحزاب، وشارك فى مظاهرات ولو بشكل رمزى خلال الثورتَين واشتبك مع الواقع البرلمانى من قبل، سواء بالعضوية أو بالحزبية، فيكمل هذا الرجل الذى يشغل منصب رئيس الحكومة الخبرة التى لا يملكها السيسى ولا يعرفها، يصمم السيسى على تعيين رئيس حكومة موظف تربَّى على السمع والطاعة وتنفيذ أوامر رؤسائه ومعرفة حجمه أمام الرئيس ويلتزم حدود دوره كسكرتير يتم استدعاؤه فيذهب ولا يملك حتى أن يقتحم على الرئيس برنامجه ولا يومه ويسكت فيطلب منه الكلام ويستأذن قبل أن يتصرف، ولا يملك أية حيلة أمام الرأى العام، وحريص على أن يكون ظهوره شاحبًا ووجوده خافتًا كى يمنح رئيسه كل الاهتمام والأضواء!
فما النتيجة؟
مزيدٌ من الضعف للدولة والغياب المزرى للسياسة، بل وتراجع شعبية مؤكد ومتسع!
ثم بدلاً من أن يضع الرئيس على مقعد رئيس البرلمان شخصيةً برلمانيةً ذات شهرة وذيوع أو شخصيةً ذات تاريخ وخبرة وقدرة سياسية حقيقية، بارعًا فى الحوار والمناورات والمفاوضات ومتواصلاً مع كل التيارات والأجيال ووجهًا معروفًا شعبيًّا وعربيًّا ودوليًّا وواثقًا من نفسه ومجربًا فى أدائه، فيكمل للسيسى ما يملكه من قدرات وصفات وخصائص، سارع السيسى بالموافقة على ترشيح الجهات الأمنية له برجل سمع وطاعة وتنفيذ تعليمات قديم مختبر يقدس الرئيس لأنه رئيس فهو فى خدمة كل رئيس إن طلب وكل سلطة إن أرادت ومخلص متفانٍ فى تلبية التعليمات حدّ العصبية والتوتر والانفعال والافتعال.
فأضاع الرئيس فرصة البلد فى برلمان حقيقى فاعل عاقل ومتوازن وصورة ديمقراطية إيجابية ولو مصنوعة ومصطنعة، ليصبح الوضع البرلمانى مبتذلاً ومذهلاً فى انهياره!
هذا يؤكد لنا أن شيئًا مهمًّا للغاية فى مهام الرئيس مفقود ومفتَقد!!

No comments:

Post a Comment