Translate

Wednesday, August 17, 2016

نصف الولاية الأولى (٣) - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 17/8/2016


هناك لحظات فارقة تستوجب التوقف أمامها وتقييم الموقف برمته وإعادة التقدير من أجل استلهام الدروس والعبر من ناحية وتلافى الأخطاء من ناحية ثانية وتحسين الأداء من ناحية ثالثة. وفى تقديرى أن مرور نصف الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى تقتضى توقفاً وتأملاً للمشهد، واستخلاص الدروس والعبر بشأن الإيجابيات والسلبيات، والعمل لاحقاً على دعم وتطوير الإيجابيات وتلافى أو الحد من السلبيات من أجل تحقيق ما تصبو إليه البلاد من تطور، فمن ناحية أولى لا يجادل أحد فى إنجازات الرئيس فى مجال البنية التحتية والمشروعات القومية العملاقة التى بدأ العمل بها، وتحقيق إنجازات كبرى فى مجال الأمن والاستقرار، لكن يبدو واضحاً أنه لا إنجاز محدداً فى الحريات السياسية، حرية العمل السياسى، حرية الإعلام، حرية الرأى والتعبير، فالملاحظ أن هناك بالفعل تراجعاً فى هذه المجالات من منطلق تصور خاطئ مؤداه إمكانية التحكم فى هذه المجالات وتسييرها على النحو التى تعتقد الأجهزة الأمنية، وهو اعتقاد خاطئ تماماً، فلا قدرة للسلطة على ضبط إيقاع العمل السياسى الحزبى والبرلمانى على النحو الذى كان سائداً فى فترات سابقة، ولا إمكانية للتحكم فى الإعلام على النحو الذى يعيد إنتاج شكل من أشكال التحكم الذى كان سائداً فى ستينات القرن الماضى. أيضاً لا نجد تحسناً ملحوظاً فى مجالات محاربة الفساد وإرساء أسس الشفافية والمحاسبة، كما أن هناك تراجعاً ملحوظاً فى مجال تكريس قيم العدل والمواطنة والعدالة الاجتماعية.
ترجمات هذه التراجعات فى استطلاعات الرأى التى يجريها مركز «بصيرة» التى تقول بتراجع شعبية الرئيس بنحو عشرة بالمائة، وتراجع التأييد له بين صفوف حملة المؤهلات العليا، مقابل ارتفاع تأييد حملة المؤهلات المتوسطة، تراجع التأييد فى صفوف الشباب مقارنة بمتوسطى وكبار العمر، كل ذلك يقودنا إلى دعوة الرئيس إلى مراجعة مجمل السياسات المتبعة فى مجالات العمل السياسى، الحزبى والبرلمانى، وأيضاً مجال الحقوق والحريات الأساسية، قيم العدل بصفة عامة والعدل الاجتماعى بصفة خاصة، الشفافية والمحاسبة.
أيضاً لا بد من الوقف الفورى لجهود جوقة المنافقين الذين يتحدثون الآن عن جمع توقيعات لتمديد الفترة الرئاسية إلى ثمانى سنوات، فمثل هذه الحملات المعتادة من منافقى نظم الحكم تسىء إلى الرئيس بأكثر مما تفيده. المطلوب مراجعة شاملة لحصاد العامين الماضيين، والمضى قدماً فى الإنجازات، والتوقف عن سياسات جرى اتباعها وتأكد عدم سلامتها وتأثيراتها السلبية. مطلوب من الرئيس السيسى الذى نؤيده وندعمه أن يساعدنا على مواصلة سياسات الدعم والتأييد والمساندة عبر زيادة المكون السياسى فى عملية صنع القرار والحد من المكون الأمنى وحصره فى نطاق مجال عمله الرئيسى الذى يخص الأمن والاستقرار بصفة عامة. مطلوب من الرئيس توسيع دائرة صنع القرار واتخاذه بالاعتماد على أهل الخبرة لا الثقة، إدارة ملفات السياسة الداخلية والخارجية بطرق مؤسسية، واتخاذ القرارات اللازمة للقضاء على الفساد بطريقة مؤسسية، تطهير مؤسسات الدولة من الخلايا النائمة ومراكز قوى الفساد، تهيئة مناخ الاستثمار عبر تنفيذ ما كان يقوله الرئيس من أجل جذب الاستثمارات العربية والأجنبية وحفز الاستثمار الخاص الوطنى، وهو ما سوف نتناوله تباعاً إن شاء الله.

No comments:

Post a Comment