Translate

Wednesday, September 7, 2016

دروس لاتينية (٢) - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 7/9/2016

نجح قادة دول أمريكا اللاتينية، فى بداية الألفية الثالثة، فى تحقيق نقلة نوعية لبلادهم على كافة المستويات، وكان التعليم والاهتمام بالفئات الضعيفة فى المجتمع على رأس الأولويات. حققوا معدلات نمو مرتفعة ووضعوا أسس حكم ديمقراطى حقيقى، احترموا الدستور والقانون وحاربوا الفساد بجدية، أطلقوا يد الأجهزة المعنية فى ملاحقة الفاسدين واستردوا أموال البلاد المنهوبة. وعندما حانت لحظة الرحيل عن السلطة بانتهاء الولاية، أطاعوا الدستور ورفضوا الاستماع لأصوات نادتهم بتغيير الدستور والبقاء فى السلطة فترة إضافية، فقد حققوا للبلاد الأمن والاستقرار والرخاء أيضاً، ومن ثم من حقهم أن يستمروا فترات أخرى، رفضوا ذلك بإصرار، فالدستور لا بد أن يُحترم، والخروج من السلطة مع حب الجماهير أفضل من المغادرة المصحوبة باللعنات. وقد شهدت البرازيل هذه الحالة بعد أن أنهى الرئيس لولا دا سيلفا فترتَى الرئاسة محققاً أعلى معدلات تنمية فى تاريخ البلاد واضعاً بلاده على أبواب العالم الأول، تسلّم دا سيلفا السلطة فى يناير ٢٠٠٣ وصندوق النقد الدولى يرفض منح البرازيل قرضاً لعدم ثقته فى قدرة البرازيل على السداد، وترك موقعه والبرازيل دائنة للصندوق بـ١٤ مليار دولار، تمكّن هذا العامل والنقابى فى نقابة عمال الحديد من تحسين أوضاع الفقراء فى بلاده عبر الضرائب التصاعدية التى وفّرت له نحو ٦٠ مليار دولار خصصها للفئات الأكثر فقراً مقابل التزام هذه الأسر بانتظام الأبناء فى الدراسة، نجح هذا الرئيس، العامل والنقابى، فى تحقيق إنجازات غير مسبوقة فى كافة المجالات على النحو الذى جعله الشخصية الأكثر تأثيراً فى العالم حسب مجلة «تايم» الأمريكية فى العام ٢٠١٠. وعندما حانت لحظة الرحيل بعد انتهاء فترة الولاية الثانية فى نهاية ٢٠١٠، رشح دا سيلفا وزيرة شئون الرئاسة ديلما روسيف فانتخبها البرازيليون لتكون أول امرأة تتولى رئاسة البلاد. صحيح أن روسيف لم تتمكن من السير على خطى دا سيلفا، وتم عزلها، إلا أن الصحيح أيضاً أن تركة دا سيلفا لا تزال تجعل من البرازيل قوة صاعدة فى عالم اليوم.
ذهب مرسى إلى البرازيل معلناً أنه يسعى إلى الاستفادة من تجربتها فى مكافحة الفقر والعشوائيات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل قيل إن زيارة مرسى للبرازيل جاءت فى محاولة لضم مصر إلى مجموعة «بريكس» وهى المجموعة التى تضم الدول صاحبة أسرع نمو فى العالم، فتجارب دول البريكس، ومنها البرازيل، تقول إن المصالحة الوطنية وبناء نموذج وطنى متماسك وشراكة حقيقية بين القوى السياسية المختلفة هى نقطة الانطلاق فى بناء مشروع النهوض الوطنى كما تحقق فى جنوب أفريقيا والبرازيل، وهو ما أهّل كلاً منهما لدخول منظومة دول «بريكس»، فهذه الدول لا تحصل على مساعدات خارجية، وحققت معدلات تنمية مرتفعة وأصبحت دائنة لصندوق النقد الدولى، وهو عناصر مفقودة فى مصر اليوم، ولكن علينا إدراك أن بلادنا تمتلك من مقومات القوة والقدرة ما يجعلها تدخل ضمن منظومة هذه الدول، ما يحتاجه بلدنا هو إرادة حقيقية للتغيير والتطوير، بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، تفعيل دور أجهزة مكافحة الفساد، نشر قيم المواطنة والحرية والمساواة، وقبل كل شىء احترام الدستور ونصوصه.

No comments:

Post a Comment