Translate

Saturday, September 24, 2016

الله أرسلنى إليك.. أين أوراق اعتمادك؟! بقلم د. وسيم السيسى ٢٤/ ٩/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

كنت فى زيارة لبانثيون باريس، وكلمة بانثيون معناها: هيكل لجميع الآلهة «عند اليونان والرومان القدماء»، وهى كلمة لاتينية الأصل، دخلت اليونانية ثم الفرنسية، المهم أن بانثيون باريس أصبح مثوى لعظمائها، لفت انتباهى أن تابوت فولتير كان بجوار تابوت جان جاك روسو صاحب كتاب «العقد الاجتماعى» الذى حكمت السلطات الفرنسية بإعدامه «إعدام الكتاب» فانبرى للدفاع عنه فولتير قائلاً: أنا لا أؤمن بكلمة واحدة مما كُتب فى هذا الكتاب ولكنى سأظل حتى الموت أدافع عن حريتك فى أن تفكر وتكتب ما تشاء.
قلت لنفسى: فرقت بينهما الحياة، وجمع بينهما المثوى الأخير، كما جمعت بينهما الحرية.
وصف فيكتور هوجو القرن الثامن عشر بقوله: كان لإيطاليا نهضة، ولألمانيا إصلاح، أما فرنسا فكان لها فولتير.
آمن بحرية الفكر حتى إنه قال: إذا طرق الرقى باب أمة سأل أولا: هل لديهم فكر حر؟! فإذا أجابوه: نعم، دخل الرقىّ وارتقت الأمة، وإذا أجابوه: لا! ولى هاربا وانحطت الأمة!.
حارب الحكام فى ديكتاتوريتهم ورجال الدين فى تعصبهم وقال: تمنيت لو أنى خنقت آخر سياسى بأمعاء آخر رجل دين!، سجنوه مرتين فى الباستيل وشردوه فى سويسرا، إنجلترا، ألمانيا، وعندما عفوا عنه، وعند عودته، سأله رجل الجمرك: هل معك ممنوعات؟ كان رد فولتير: أفكارى!.
ولد سنة ١٦٩٤ وعاش ٨٤ عاماً، كان التعصب على أشده فى فرنسا، حتى إن السلطات حكمت على امرأة كاثوليكية بغرامة ٣ آلاف فرنك لأنها استعانت فى ولادتها بقابلة «مولّدة» بروتستانتية! صرخ فولتير من منفاه اسحقوا هذا العار، وأضاف: رجل الدين الجاهل يثير احتقارنا، ورجل الدين المتعصب يثير اشمئزازنا، أما رجل الدين المثقف الواعى فهو الجدير بحبنا واحترامنا.
هاجم حكم رجال الدين وقال: إن الذى يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك!، وحين صدر قانون يقضى بإعدام من يهاجمون الدين، قال فولتير:
أول كاهن كان أول محتال، قابل أول أحمق!.
ترى هل انتقلت لفولتير فلسفة أبى العلاء حين قال:
وقد فتّشتُ عن أصْحابِ دينٍ  
لهم نُسْكٌ، وليس لهم رِياءُ
فألفيتُ البهائمَ لا عقـــولٌ      
تُقيمُ لها الدّليلَ، ولا ضِياءُ
وإخوانَ الفَطانةِ في اختيالٍ   
كأنــــهـــــمُ لقــــومٍ أنبياءُ
فأمّا هــؤلاءِ، فأهــلُ مَكرٍ     
وأمّا الأوّلونَ، فأغبيـــاءُ
عاد فولتير من منفاه إلى فرنسا فى فبراير ١٧٧٨ فاستقبلته كملك بعد أن عرفوا قيمته، زاره بنيامين فرانكلين الرئيس الأمريكى وهو على فراش المرض وطلب من حفيده أن يقبل يده، وفى أواخر أيامه أرسلت له الكنيسة قسيسا كى يستغفر له، سأله فولتير: من الذى أرسلك لى؟ قال الكاهن: الله! سأله فولتير: أين أوراق اعتمادك؟! تركه الكاهن وانصرف، أرسلت الكنيسة له قسيسا آخر، فطرده، وطلب من سكرتيره أن يكتب عنه: أؤمن بالله، أحب أصدقائى، أكره الخرافات والأساطير الدخيلة على الدين. مات فولتير فى ٣٠ مايو ١٧٧٨، رفضت السلطات دفنه فى مدفن مسيحى فى باريس ولكن بعد ١٣ سنة أجبرت الجمعية الوطنية التى تكونت بعد نجاح الثورة الفرنسية على نقل رفاته إلى مثوى العظماء، وكتب على العربة التى نقلت جثمانه: «فولتير الذى أعطى لعقولنا قوة دافعة، وحررنا من الخرافات وأعدنا وهيأنا للحرية».

No comments:

Post a Comment