Translate

Monday, September 12, 2016

قانون الكنائس مرة أخرى - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 12/9/2016


كتبت مراراً عن قانون بناء وترميم الكنائس قبل مناقشته من قبَل البرلمان، وشرحت بالتفصيل مساوئ القانون والمواد المطلوب حذفها (مثل المادة الثانية) والمطلوب تعديلها (المواد ٥، ٩، ١٠).
وشرحت بالتفصيل لماذا نطالب بإدخال تعديلات على مشروع القانون، وشاركت فى أكثر من ندوة ومؤتمر يناقش ويفند مواد مشروع القانون.
وعند تقديم المشروع لمجلس النواب بذلنا جهداً ضخماً مع نواب تكتل «٢٥-٣٠»، وعدد من نواب البرلمان من مسلمين ومسيحيين من أجل تعديل بعض المواد.
وشهادة للتاريخ فقد كانت الأجواء داخل المجلس إيجابية للغاية، وجاء أكثر من نائب من مختلف الاتجاهات يسألوننا عن ملاحظاتنا على القانون وأنهم على أتم الاستعداد للتوافق معنا فيما نريد.
فى الوقت نفسه بذل رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال جهداً ضخماً من أجل إقناع النواب الأقباط بتمرير القانون الذى تم التوافق على مواده بين الحكومة والكنيسة، مؤكداً أن الحكومة توصلت إلى مواد هذا القانون بعد أربع عشرة جلسة مع الكنائس المصرية الثلاث، ومن ثم فكل مادة تمت صياغتها بالتوافق. وشدد د.على عبدالعال على أن أهمية القانون تكمن فى أنه الأول من نوعه منذ مائة وستين عاماً، وبصدور هذا القانون يصبح بناء وترميم الكنائس حقاً من الحقوق وليس منحة أو هبة من الحاكم. أيضاً فإن القانون يفرض على المحافظ فى حال رفض الترخيص ببناء كنيسة أن يذكر سبب الرفض، ومن حق الكنيسة أن تقاضى المحافظ أمام محكمة القضاء الإدارى ولا يجوز التحجج بالأسباب الأمنية، فقد سقط المبرر الأمنى لرفض الترخيص ببناء كنيسة.
خلال المناقشات حاولنا إدخال تعديلات، ولم نتمكن من تحقيق ذلك لسبب بسيط للغاية وهو أن المطالبين بالتعديل أقلية لم تزد على ١٠٪ من الأعضاء، وأنه لا يمكن الاعتراض على نتائج تصويت ديمقراطى، فبعد النقاش والسجال لا بد من اللجوء إلى التصويت واحترام نتائجه. وكنا أمام خيارين، إما التوصل إلى حلول وسط وفق ما تتيحه توازنات القوى داخل البرلمان، أو الاعتراض على التصويت.
ومن ثم الانسحاب من الجلسة احتجاجاً على نتيجة التصويت، وقد فضّل الجميع الخيار الأول، وهو محاولة التوصل إلى حلول وسط، وهو ما تم عبر التفاهم على تسجيل الملاحظات فى مضبطة المجلس.
وتبرز أهمية ذلك فى المادة الثانية، حيث تم الإقرار على لسان ممثل الحكومة الوزير العجاتى ورئيس البرلمان الدكتور على عبدالعال بأن العدد اللازم لبناء كنيسة هو أى عدد حتى لو كان شخصاً واحداً، فالدستور نص على حرية العبادة وحرية ممارسة الشعائر لأصحاب الديانات الإبراهيمية دون أن ينص على عدد معين كحد أدنى لممارسة الشعائر، وأن الحاجة إلى كنيسة يحددها الرئيس الدينى وليس شخصاً آخر، ومن ثم إذا رفض المحافظ الترخيص ببناء كنيسة تحت دعوى عدم كفاية العدد أو عدم الحاجة إلى كنيسة فى المكان المحدد، حق لممثل الطائفة هنا أن يذهب إلى القضاء الإدارى ويطلب مضبطة جلسة المجلس لمعرفة ماذا كان يقصد المشرّع من هذه المادة.
ولعل أهم ما فى قانون بناء الكنائس المواد من الثامنة إلى العاشرة التى تقنن أوضاع الكنائس القائمة، فالمعروف أن أكثر من ٦٠٪ من الكنائس القائمة فى مصر ليس لديها ترخيص، والكثير منها يتعرض من حين إلى آخر لتضييق أمنى، والتلويح بعدم تقنين وضعها دفعة واحدة كان وراء غضب الكنيسة الأرثوذكسية وإصدارها بياناً غاضباً ودعوة البابا المجمع المقدس لاجتماع عاجل. صدور قانون بناء الكنائس يعنى تقنين أوضاع هذه الكنائس كلها، وهو مكسب كبير للغاية.
بعد كل هذا الجهد يأتى من يعلق ويقول إن النواب الأقباط فضّلوا مصالحهم الشخصية وتمسكوا بالكرسى، وهو قول مرسل وسهل ويأتى من قبَل من لا يعرف خلفيات الموضوع وتفاصيله المختلفة، وأن السياسة هى فن الممكن، ترفع سقف مطالبك، ثم تتفاوض، وأخيراً تقبل بما يمكن أن يكون محلاً للتوافق، فما لا يُدرك كله، لا يُترك كله.
وبالتالى فإن رفض القانون قبل مناقشته كان جزءاً من تحرك سياسى يستهدف رفع السقف، ولم تسمح توازنات القوى داخل المجلس بأكثر من تسجيل ملاحظات فى مضبطة المجلس، والقصة هى حكاية ثقافة مجتمع وأفكار نخب سياسية تمثل حدوداً لما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، والبديل أنك قد تُصدر قانوناً لا تتمكن من تطبيقه فيظل حبراً على ورق، القضية هى واقع معقد وثقافة مجتمع مطلوب تطويرها وتغييرها حتى تستوعب قيم المواطنة والمساواة، وتقبل بالتنوع والتعدد والاختلاف.

No comments:

Post a Comment