Translate

Sunday, September 4, 2016

إدارة مصر باللواءات والموظفين جابت آخرها! - إبراهيم عيسى - جريدة المقال - 4/9/2016

خيال اللواءات والموظفين (إن كان لديهم خيال أصلاً) لن يقدِّم لمصر إلا العشوائية فى القرارات والأزمات فى الحياة اليومية من تعليم إلى سكر ومن صحة إلى لبن ومن قمح إلى بوتاجاز ومن سد نهضة إلى جزيرتَى#تيران_وصنافير!

لا جهة خارجية ولا داخلية تصنع ولا تصطنع الأزمات.
لا عدو يتآمر على مصر فيثير فيها كل يوم مشكلة وكل أسبوع بَلْوَى وتخرج من أزمة تدخل فى غيرها.
هى ليست مؤامرة كونية بل الكون واقف جنب الحكومة ويريد إنقاذها اقتصاديًّا، وكريستين لاجارد دايرة تشحت على ستة مليارات دولار للحكومة المصرية كى يستطيع صندوق النقد إقراضها اثنَى عشر مليار دولار.
لا أحد يريد إفشال الحكومة فى مصر، لأنها فاشلة أصلاً.
لا يريد أن يعرف الرئيس عبد الفتاح #السيسى أن إدارة البلد بأجهزة الأمن لا يمكن أن تجعل مصر بلدًا آمنًا وبالتأكيد لن تصبح مصر معها بلدًا متقدمًا بل والأكثر فداحة لن تجعل مصر بلدًا مستقرًّا.
خيال الجنرالات والموظفين (إن كان لديهم خيال أصلاً) لن يقدِّم لمصر إلا هذه العشوائية فى القرارات وتلك الأزمات فى الحياة اليومية من تعليم إلى سكر ومن صحة إلى لبن ومن قمح إلى بوتاجاز ومن سد نهضة إلى جزيرتَى تيران وصنافير!
خبرة إدارة الحكم على الطريقة الجنرالية ليست هى طريقة بلد يريد أن ينهض ولا مجتمع يسعى لأن يتقدَّم.
الضباط لا يملكون خبرة السياسة ولا يفهمون إلا فى قواعد الضبط والربط والتوجيهات والتعليمات وأوامر سيادة القائد، لكن الدول الحديثة تحتاج إلى مَن يبدع ويجتهد لا مَن ينفِّذ ويطيع، مَن يخطط ومَن يتخيَّل ومَن يحلم لا مَن يتلقَّى التوجيهات ويلبِّى الأوامر.
الدول العصرية تستلزم عقولاً تناقش وتختلف وتتمرَّد على واقعها وتشارك فى صناعة قرار بلدها ولا تقدِّس رؤساءها، لا عقولاً تُدار بالزواجر والنواهى والسمع والطاعة.
ثم حين تنفجر المشكلات فالبلد ينتظر ساعتها الرجل السياسى الذى يتدخَّل، لا العسكرى الذى يزعق ويشخط وينطر أو يمنع الكلام خالص.
إن الشعب فى لحظات سوداء مثل تلك يتوقَّع الشفافية والمصارحة والوضوح الكامل فى المعلومات والمشاركة فى تحديد الأولويات والمسارات واتخاذ القرارات، لكنه يفاجأ بالرئيس أو المسؤولين على خطِّه يلومون الشعب على تصرفاته ويعايرونه بإنفاقه أو احتياجاته ويستنكرون عليه طموحاته لحياة كريمة ويقرعون فيه لأنه مسرف فى الكهرباء والماء ودخول الحمام ومتلهّف على لبن مدعم لأطفاله الرُّضع ومحتاج إلى وظائف لأبنائه، وكأن لسان حال مسؤولى الدولة لعموم الشعب طيلة الشهور الأخيرة: هو مش كفاية مستحملين قرفكم!
لقد وصل الرئيس السيسى إلى نقطة فاصلة فى منتصف ولايته الأولى لعله يراها رغم حالة الضباب التى تنشرها السلطة أمام عينَى رئيسها فضلاً عن حجم النفاق المروع والتضليل بالحب الذى يعانى منه أى رئيس مصرى ممن حوله وممن يحيطه.
هى نقطة فاصلة فعلاً، ولو لم ينتبه إليها الرئيس ولو هربت من حقيقتها الأجهزة التى تغطس فى عمى السلطة.
لقد فشلت نظرية الحكم بالجنرالات والتكنوقراط والموظفين وجابت آخرها.
لقد انهارت تجربة ما بعد ثورة يوليو من جلب الضباط من القشلاق إلى المصنع وإلى الوزارة والاستعانة بأساتذة الجامعة فى الحكومات واختيار الموظفين ذوى الثقة والولاء الأمنى فى التشكيلات الوزارية ومناصب الإدارة التنفيذية العليا.
لقد أعلنت هذه المرحلة فشلها الكامل والمطلق يوم وقعت حكومة شريف إسماعيل اتفاقها مع صندوق النقد، فقد كانت توقع على إفلاسها الفكرى والسياسى والاقتصادى بل والمالى، يوم استعانت الحكومة بخبراء صندوق النقد وبرنامجه (بعيدًا عن الكذب الرخيص أن هذا هو برنامج الحكومة المصرية فنحن نعرف أنه برنامجها ولكنه برنامج مكتوب خصيصًا تلبيةً لشروط الصندوق حتى قبل ما يتشرَّط).
خلاص مصر وصلت إلى خط فاصل بين الحكم بالجنرالات والموظفين الذى فشل فى توفير حياة آمنة وكريمة للمصريين وبين الحكم بالسياسيين والمدنيين الذى لم نجربه قط منذ فجر ثلاثة وعشرين يوليو.
مهما حاول الحكم فى مصر أن يفر من هذه الحقيقة فسوف تظل تلاحقه.

No comments:

Post a Comment