Translate

Friday, October 20, 2017

د. عماد جاد - مأزق إقليم كتالونيا - جريدة الوطن - 20/10/2017

أجرى سكان إقليم كتالونيا استفتاء للانفصال عن إسبانيا، وقد وافق نحو 90 بالمائة ممن شاركوا فى الاستفتاء على الانفصال، وهو الأمر الذى عارضته الحكومة المركزية فى مدريد، وأعدت العدة لمواجهة سيناريو الانفصال دستورياً، وذلك عبر تفعيل المادة 155 من الدستور التى تعطى الحكومة الحق فى استخدام القوة لاستعادة الإقليم، بل وإلغاء الحكم الذاتى الذى يتمتع به الإقليم، وكانت الحكومة المركزية فى انتظار تأكيد نهائى من جانب حاكم الإقليم بإعلان الانفصال حتى تبدأ فى تفعيل المواد الدستورية لمواجهة هذا السيناريو.
من جانبه، سعى حاكم الإقليم إلى المناورة، بحيث يحافظ على هدف الاستقلال من ناحية، ولا يمكّن الحكومة المركزية فى مدريد بالبدء فى تفعيل الإجراءات الدستورية، لا سيما المادة 155، لذلك أعلن نتيجة الاستفتاء، لكنه علّق الانفصال على إجراء مفاوضات مع الحكومة المركزية، وقد ردت الأخيرة رسمياً على حاكم الإقليم بالاستفسار عن موقف الإقليم الأخير هل هو إعلان للانفصال أم لا؟ وهو سؤال دستورى، بمعنى أن الحكومة المركزية لا يمكن أن تبدأ فى التصدى لهذا التوجه دستورياً إلا بعد أن تعلن حكومة الإقليم الانفصال رسمياً، وهى الإجابة التى تهربت منها حكومة الإقليم حتى لا تعطى للحكومة المركزية مبرّر بدء الإجراءات العقابية المضادة من مدريد.
باختصار تمسك حكام إقليم كتالونيا بإجراء استفتاء على الانفصال عن إسبانيا، وقد نفذوا هذا الاستفتاء، وقد تعاملت حكومة مدريد مع هذه الخطوة بمرونة سياسية كبيرة، حيث تدخلت لضبط الأمن ومواجهة محاولات إثارة الاضطراب والفوضى فى الإقليم، واتخذت الإجراءات الدستورية لمواجهة النزعة الانفصالية، ولم تقدم على أى خطوة عملية إلا بعد استيفاء الإجراءات الدستورية، بمعنى أن يعلن حكام الإقليم أولاً الانفصال رسمياً، فتبدأ فى تطبيق المادة 155 لاسترداد الإقليم وإلغاء ما يتمتع به من حكم ذاتى.
وتعد حالة إقليم كتالونيا نموذجاً للتطلعات غير الواقعية دون سند من واقع، ناهيك عن قراءة دقيقة للبيئتين الإقليمية والدولية، فسكان الإقليم جزء من الشعب الإسبانى، لا يوجد تمييز ضدهم لأى اعتبار من الاعتبارات، ولا يوجد مبرر لطرح مثل هذا المطلب، لذلك لم يتعاطف أحد إقليمياً أو دولياً مع مطلب الانفصال، وهو ما وعته حكومة الإقليم لاحقاً، ومن ثم تحفظت فى إعلان الانفصال، فأعلنت نتائج الاستفتاء دون أن تلحق به قرار الانفصال، وهو الأمر الذى تلقفته الحكومة المركزية فألحت على حكومة الإقليم أن تعلن موقفها النهائى حتى تبدأ إجراءاتها الدستورية، وهو ما تراجعت حكومة الإقليم عن إعلانه، ومن ثم يبدو بوضوح أن إدارة حكومة إقليم كتالونيا للأزمة مع الحكومة المركزية تعد نموذجاً يدرس لخلق المشكلات والدخول فيها دون قدرة على إدارتها أو الخروج منها، نموذجاً لصنع الأزمة والعجز عن إدارتها أو الخروج منها.

No comments:

Post a Comment