Translate

Monday, October 2, 2017

د. عماد جاد - القانـون والثقافة - جريدة الوطن - 3/10/2017

تموج بلادنا بعشرات الظواهر والمظاهر السلبية التى تعكس حقيقة أننا شعب يجيد الحديث عن الدين وفى شئونه أكثر من كوننا شعباً متديناً، تتعدد وتتنوع المظاهر السلبية من التهرب من العمل إلى قبول الرشاوى إلى التحرش الجنسى والعلاقات غير المشروعة وصولاً إلى ظواهر الانفلات الإعلامى وانفلات الفتاوى والتصريحات التى تصدر عن شخصيات مثيرة للجدل، فنحن ربما نكون فى مصر أكثر شعوب الدنيا حديثاً فى شئون الدين وحرصاً على إظهار التقوى والورع وطاعة رب العباد، نمارس الطقوس ولا مكان للإيمان الحقيقى فى قلوبنا، نرى فى المغاير أقل قدراً وقيمة فيكفى أن تقرأ مقولة الإمام محمد عبده التى يجرى نقلها باستمرار بفرح وسعادة وهو يقول «وجدت الغرب إسلاماً بلا مسلمين، وفى بلادنا مسلمين بلا إسلام» فهذه مقولة فى جوهرها تمييزية، فالرجل لم يكن قادراً ولا مستعداً لقبول أن للغرب قيمه التى يستنبطها من ثقافته ومنها الدين، هو فى جوهره رافض لأن يرى قيماً راقية وممارسات إنسانية تنسب للمسيحية. نفس الأمر مع الفارق الجوهرى فى الحالتين ما صدر على لسان حنان ترك، الممثلة المتخم تاريخها بقضايا غير أخلاقية ومثيرة للجدل، فقد ذكرت فى حوار لها مع عمرو الليثى أنها ضد أن يتولى مسيحى رئاسة مصر، وأنها لا تعرف السبب ولم تفكر فى الأمر من قبل، ولكن المسيحيين فى «ذمتنا» فى ذمة المسلمين، تجهل هذه المدعية أن مصطلح أهل الذمة بات فى ذمة التاريخ، وأنه كان موجوداً فى مرحلة تاريخية كان المسيحيون لا يلتحقون بالجيش لأنه جيش دينى، ومن ثم فقد جاء مصطلح أهل الذمة ودفع الجزية بديلاً لعدم الخدمة فى الجيش، أو ثمناً للحماية فى مرحلة تاريخية معينة، أما وقد ولت هذه المرحلة فقد ذهب معها مصطلح أهل الذمة وسقطت معها الجزية وبات لدى البلاد دستور ينهض على مبدأ المواطنة والمساواة وعدم التمييز.
فى تقديرى أن انتشار مثل هذه المظاهر السلبية والتمييزية يعود إلى غياب القانون وتغييبه، فالقانون إما غائب مثل مناهضة التمييز والقضاء على كافة أشكاله، أو مغيب، وهو الواقع الشائع فى البلاد، القانون موجود ولكن يطبق بشكل انتقائى، لدينا الفقرة (و) من المادة (و) من المادة 98 من قانون العقوبات، التى تنص على عقوبات محددة لارتكاب فعل ازدراء الأديان، هذه الفقرة تطبق فقط على المسيحيين ولا تطبق على مشايخ الفتن، بل طبقت على أطفال كانوا يقلدون «داعش»، واعتبرته النيابة ازدراء للإسلام، وكانت العقوبة خمس سنوات سجناً، ولم يجد الأطفال مفراً من العقوبة إلا بالاختفاء ثم اكتشفنا هروبهم إلى سويسرا التى منحتهم حق اللجوء.
مشكلتنا الحقيقية فى مصر أننا نطبق القوانين بشكل انتقائى لاعتبارات تتعلق بالدين والطبقة الاجتماعية، إضافة إلى استشراء الفساد المؤدى إلى تغييب القانون، والحل يكمن ببساطة فى تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، لذلك نرى العدالة مغمضة العينين، إشارة إلى أنها تطبق القانون بموضوعية مجردة، لو تم ذلك بالفعل وخضع الجميع لنفس القانون، سيتحول لاحقاً إلى ثقافة لدى الأجيال التالية، فالغرب قيمه الأساسية تأتى من هيبة القانون وتطبيقه على الجميع، ومن ثم تحول إلى ثقافة تحكم سلوك البشر فى أى مكان ذهبوا إليه.

No comments:

Post a Comment