Translate

Saturday, October 28, 2017

د. عماد جاد - استخدام القوة فى العلاقات الدولية - جريدة الوطن - 28/10/2017

قديماً قال الرومان وهم رجال قانون وقوة أيضاً: «القوة تخلق الحق وتحميه»، بمعنى أن الدولة القوية تقدم على ما تريد من خطوات بما فيها استخدام القوة وتفرض ما تريد كأمر واقع لأنه لا يوجد من هو أقوى من الإمبراطورية الرومانية والذى بمقدوره أن يواجهها بالقوة. واستمرت كلمات الرومان هذه كقاعدة حاكمة للعاقات الدولية، فكل دولة تحتل المكانة الأولى فى العالم من حيث القوة تفعل ما تريد من غزو واحتلال وضم أراض. وقد حاول الإنسان مراراً ضبط استخدام القوة فى العلاقات الدولية من خلال ضبط سياسات وسلوكيات القوى الكبرى بدءاً من معاهدة صلح وستفاليا التى أنهت حرب السبعين عاماً الدينية فى قلب القارة الأوروبية وصولاً إلى محاولات تقييد سيادة الدولة بالوصول إلى تعريف ضيق لها مروراً بمنظمتَى عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى والأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد كانت كلها محاولات لضبط سلوكيات القوى الكبرى ومنعها من اتخاذ قرار العدوان والغزو منفردة، وتمثل ذلك فى الأمم المتحدة فى مجلس الأمن الدولى المكون من خمس دول دائمة العضوية هى الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية ثم أضيفت إليها لاحقاً الصين الشعبية بدلاً من الصين الوطنية (فرموزا)، زائد عشر دول غير دائمة العضوية (مدة عضوية كل منها عامان فقط)، ونص الميثاق على أن تصدر قرارات المجلس بموافقة 9 من الدول بشرط عدم اعتراض أى من الدول دائمة العضوية التى تمتلك حق النقض أو الفيتو الكفيل بمنع صدور القرار حتى لو وافقت عليه باقى الدول الأعضاء فى المجلس، فنتصور حالة توافق فيها أربع عشرة دولة على قرار للمجلس وترفضه دولة واحدة دائمة العضوية فلا يصدر القرار، وقد تحققت هذه الحالة فى التجديد للراحل بطرس غالى فى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة، حيث وافقت على ذلك كل الدول عدا الولايات المتحدة، فلم يجدد للرجل وخلفه كوفى عنان.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن ميثاق الأمم المتحدة وما به من قيود وضوابط يخص الدول الصغيرة والمتوسطة فى العالم، أما القوى الكبرى فمتحررة منه تماماً لأنه لا توجد قوة بمقدورها ردع أو وقف القوة الكبرى، القوى الكبرى تفعل ما تريد وتنفذ ما يحلو لها وتراه فى مصلحتها، فإذا أرادت غزو دولة صغيرة أقدمت على ذلك دون تردد ودون قرار من مجلس الأمن الدولى، وحالة الغزو الأمريكى البريطانى للعراق عام 2003 حالة نموذجية، فالغزو والاحتلال تم دون تفويض من مجلس الأمن الذى اضطر لاحقاً إلى إضفاء الشرعية على الوجود الأمريكى البريطانى فى العراق، نفس الأمر ينطبق على الغزو الأمريكى لبنما فى أمريكا الوسطى، وعلى الغزو السوفييتى للمجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968. أما محاولات الدول الصغيرة والمتوسطة للتصرف على غرار القوى الكبرى فكان مصيرها مأساوياً مثل الغزو العراقى للكويت عام 1990، والذى انتهى باحتلال العراق نفسه من قبَل الولايات المتحدة وبريطانيا عام 2003.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن استخدام القوة فى العلاقات الدولية أمر يخص القوى العظمى والكبرى، وإذا أرادت قوة صغرى أو متوسطة استخدام القوة فى محيطها الجغرافى فلا بد من العودة إلى مجلس الأمن الدولى وطلب الحصول على ترخيص بذلك دفاعاً استباقياً عن النفس أو مواجهة مصدر تهديد وخطر على أمنها القومى، فإذا حصلت على التفويض أمكنها القيام بما تريد وإذا لم تحصل ليس أمامها سوى التفاهم مع القوى الكبرى والحصول على موافقتها على القيام بمثل هذا العمل، أما إذا لم تحصل على ترخيص مجلس الأمن أو موافقة حتى لو سرية من القوى الكبرى فالعملية ستكون محفوفة بالخطر الشديد وقد تأتى بنتائج عكسية.

No comments:

Post a Comment