Translate

Monday, October 30, 2017

د. عماد جادوجوه من زمـن الفتنة - جريدة الوطن - 30/10/2017

يبلغ عدد سكان العالم قرابة سبعة مليارات إنسان، أكثر من نصفهم لا يتبعون الديانات الإبراهيمية، ورغم أن أتباع الأخيرة لا يزيدون على 40% من سكان الكرة الأرضية فإن الصراعات بينهم هى الأعلى والأكبر وعلى أراضيهم سقط ملايين البشر ضحايا الصراع الدينى والطائفى بين أتباع الديانة الواحدة، فالحروب بين أتباع الديانات الإبراهيمية وداخل كل دين من هذه الأديان الثلاثة هى الأكثر حدة وتدميراً لبنى البشر، كما أن التشدد الدينى والطائفى هو الأعلى والأكثر خطورة، من الحروب بين المسلمين إلى الحروب الدينية والمذهبية داخل المسيحية التى استمرت إحداها سبعة عقود كاملة، إلى الحروب الدينية بين المسلمين والمسيحيين ثم مع اليهود. وفى الوقت الذى اكتشفت فيه البشرية أن فصل الدين عن السياسة هو البوابة الذهبية لإقامة دولة ديمقراطية حديثة ومتطورة ومتقدمة تضمن حقوق الإنسان، فإن الكثير من الجماعات داخل الديانات الإبراهيمية ترفض ذلك، بل تحمل السلاح لإقامة الدول الدينية. والظاهرة الأكثر خطورة هنا هى أن أتباع هذه الديانات تركوا منظومة القيم الخاصة بكل دين من هذه الأديان وركزوا على هدم الديانة الأخرى، فنادراً ما نجد تراشقاً بين أتباع ديانة سماوية وأخرى أرضية، وإذا حدث سيكون لاعتبارات عرقية أو قومية، أما الغالب فى عالم اليوم فهو تراشق وصراع بين أتباع هذه الديانات الثلاث، والدليل الأبرز على ذلك فى بلدنا هو ظاهرة تركيز عدد كبير من الشيوخ على التهجم على الديانة المسيحية، والحرص على ذكر المسيحيين من منطلق سلبى حتى أثناء الصلاة، بدلاً من شرح صحيح الدين وإبراز القيم الإنسانية، نجد تركيزاً شديداً على كفر «النصارى» وأن مآلهم جهنم، فمن «برهامى» إلى «حسان»، وصولاً إلى عبدالله رشدى الذى يحرص فى كل لقاء ومداخلة على تذكيرنا بأن «النصارى» كفار. وبالمناسبة هو لا يعلم شيئاً إطلاقاً عن القناعات الفكرية والدينية لطائفة النصارى، وهى طائفة من المسيحيين اتبعت طريق الهرطقة من أمثال ورقة بن نوفل وسارت على طريق نسطور وترى فى السيد المسيح نبياً فاضلاً من أنبياء بنى إسرائيل وليس الله المتجسد حسب العقيدة المسيحية للمذاهب الثلاثة، وبهذا المعنى فإن النصارى لا يؤمنون بالتثليث ولا قيامة المسيح من الأموات وهو جوهر الإيمان المسيحى، وقد اندثرت هذه الطائفة تماماً، ويرفض أى مسيحى أن يوصف بأنه نصرانى بل يشعر بإهانة من هذا الوصف المتناقض مع جوهر إيمانه المسيحى.
برز دور هؤلاء المشايخ فى مرحلة ما بعد 25 يناير، وكنا نعتقد أن مرحلة ما بعد 30 يونيو سوف تختفى هذه الظاهرة وتسود الرابطة الوطنية، وتوضع أسس الدولة المدنية الحديثة التى تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، لكن ما حدث هو أن هذه الوجوه استمرت ومعها سياسات الدولة الساداتية التى تنهض على أسس دينية وتميز بين المصريين على أسس دينية وطائفية، واليوم يواصل أمثال عبدالله رشدى التطاول على المسيحية والانشغال بالتهجم عليها أكثر من انشغالهم بنشر صحيح الدين وبث القيم الإنسانية التى ترقى سلوك البشر، وهو الأمر الذى لم يعد مقبولاً السكوت عليه من قبل مؤسسات الدولة المصرية لاسيما فى المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد وتقتضى تضافر الجهود على أرضية وطنية خالصة وإرساء قيم الاحترام المتبادل بين الأديان والعقائد، فلا فائدة ترتجى من التراشق وإطلاق يد دعاة الفتن أمثال عبدالله رشدى.. فهل من مجيب؟

No comments:

Post a Comment