Translate

Friday, November 10, 2017

د. عماد جاد - مصر الأخـرى - جريدة الوطن - 11/11/2017

على مدار أسبوع كامل، عقد مؤتمر الشباب العالمى على أرض مدينة شرم الشيخ، وحقّق المؤتمر نجاحاً باهراً، سواء من خلال لقاء شباب غالبية دول العالم على أرض مصر، ودخولهم فى حوار جاد، أو طبيعة القضايا التى طرحت فى جلسات المؤتمر المختلفة، كما نجح المؤتمر فى تقديم نماذج مصرية واعدة تدعو إلى الفخر بسبب الإنجازات التى حققوها فى سن مبكرة، وأيضاً القدرة على التواصل مع العالم الخارجى. قدّم المؤتمر صورة ناصعة البياض لمصر أضاف إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى الكثير عندما تحدّث عن التعايش والحوار وقبول التنوّع والتعدّد والاختلاف.
لكن السؤال هنا: وماذا عن مصر الأخرى، أو مصر الحقيقية، أى الواقع المعايش فى البلاد اليوم، إنها صورة مغايرة لتلك التى تم تقديمها للعالم من مدينة شرم الشيخ، مصر الأخرى أو الحقيقية مشكلتها الحقيقية فى ميراث ثقافى عام يضرب العامة، مثلما يضرب عمق مؤسسات الدولة المصرية، مصر الحقيقية أو الأخرى ليست بدولة مدنية حديثة، بل هى أقرب إلى دولة دينية تتبنّى ديناً وتنحاز إليه، ووفق الدستور تمول نشره فى الداخل والخارج من خلال مؤسسة الأزهر، مصر الحقيقية تضيق على عملية بناء وإصلاح الكنائس وترميمها، وعندما اشتكى الأقباط من ظلم السنين بسبب الخط الهمايونى وشروط وكيل وزارة الداخلية فى ثلاثينات القرن الماضى «العزبى باشا»، التى تجعل من بناء كنيسة مثل العثور على طائر العنقاء إلخ، ومن ترميمها وإصلاحها مثل العثور على الخل الوفى، جرى إعداد قانون ينظم بناء وإصلاح الكنائس على يد ترزية القوانين الذين اعتادوا على تفصيل قانون يسمح بالأمر ويحرّمه فى الوقت نفسه، وصدر القانون منذ عام ولم تصدر لائحته التنفيذية حتى اليوم، ومن ثم فالقانون معطل. مصر الحقيقية طلبت مؤسساتها بيانات الكنائس غير المرخّصة، بحجة ترخيصها، وتقنين أوضاعها وفق قانون الكنائس الجديد، وتم استخدام هذه المعلومات من أجل إغلاق عدد من هذه الكنائس، مصر الحقيقية يُحرم فيها أقباط مئات القرى من كنيسة يصلون فيها ويمارسون فيها الشعائر والطقوس فيضطرون للسير قرابة عشرة كيلومترات من أجل ممارسة الشعائر فى قرية مجاورة توجد بها كنيسة، يسيرون عشرة كيلومترات على الأقدام، حاملين موتاهم على دواب من أجل الوصول إلى أقرب كنيسة للصلاة على جثمان المتوفى، وإذا اتخذوا من منزل من المنازل مكانا للصلاة أو ممارسة الطقوس يتم التحريض عليهم من الأجهزة الأمنية، فيخرج الشباب فى قافلة جهاد لهدم المبنى والاعتداء على المصلين، وهذا وضع مستمر حتى اللحظة دون تدخّل حقيقى لإرساء مبادئ العدل والمواطنة والمساواة وعدم التمييز، وهى مبادئ لن تُرسى على الأرض ما لم تتوقف مؤسسات الدولة عن ممارسة التمييز والتفرقة بين المواطنين على أساس الدين والطائفة، السؤال هنا ما الذى يضير مؤسسات الدولة من أن يجد الأقباط مكاناً لائقاً لأداء الصلوات وممارسة الطقوس؟
سيدى الرئيس، مصر الحقيقية تحتاج منك إلى تأمل عميق وقرارات جادة لتغيير واقع مرير يعيشه الأقباط، ظنوا أنه سينتهى بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وهو ما لم يحدث، بل استمرت نفس السياسات التمييزية المقيتة، وهناك من يرى أنها زادت وتصاعدت. يحدث ذلك فى وقت لم يعد فيه للكنيسة سيطرة على الأقباط أو قدرة على توجيههم، ومن ثم فلا بد أن يشعروا مباشرة بأنهم مواطنون درجة أولى لهم جميع الحقوق، لأنهم بالفعل ينفّذون وبإخلاص ما عليهم من التزامات. نريد جسر الفجوة بين مصر التى ظهرت فى شرم الشيخ ومصر الحقيقية.

No comments:

Post a Comment