Translate

Friday, November 17, 2017

د. عماد جاد - ماذا حدث للمصريين؟ - جريدة الوطن - 17/11/2017

يموج مجتمعنا المصرى بعشرات الظواهر التى تقول لنا إننا كمجتمع فقدنا الاتزان وابتعد مزاجنا العام عن الاعتدال، وباتت الحدة وأصبح التشفى سمة من سمات مجتمعنا المصرى، هذا المجتمع الذى قام على التعدد والتنوع والاختلاف، احتضن مئات الآلاف من الأجانب ووفّر لهم الملاذات الآمنة وقدم لهم كل ما لديه وتعامل معهم كمواطنين، هذا المجتمع الذى ضم واستوعب ودمج الأجانب والغرباء الذين استجاروا به أو فروا إليه، ولم ينفّرهم أو يتعامل معهم بكبرياء ولم يقم لهم مخيمات لاجئين، هذا المجتمع بدأ فى أواخر عهد السادات يفقد سمة من سماته الرئيسية وهى الاعتدال، فقد نبتت بذور التطرف والتعصب التى زرعها السادات وبدأت تسقط ثمارها المرة على رؤوس الجميع وبدأ الحصاد الحقيقى فى عهد مبارك، حيث تراجع الاعتدال تماماً وسادت القسوة تعاملات الجميع. وقد أخرجت ثورة الخامس والعشرين من يناير أسوأ ما فى المصريين، فقد كنا نعتقد أن الشعب المصرى أقل شعوب الدنيا ميلاً للعنف واستخدام السلاح، ثم فوجئنا بكمّ العنف المكبوت وسهولة استخدام السلاح بعد 25 يناير، سبّب سلوك عدد كبير من المصريين بعد 25 يناير صدمة شديدة لكل من كان يعتقد أننا شعب مسالم، فلم نعد كذلك. وتحليل بعض الأحداث التى مررنا بها خلال الشهر الماضى فقط يقول إن تغيرات جوهرية طرأت على الشخصية المصرية أخذت منها أفضل سماتها وخصالها، وأضفت عليها سمات البيئات الخشنة القاسية والقاحلة، خذ على سبيل المثال وقائع الاعتداء من قبَل رجال وشباب على سيدات، مثال حال سيدة الكرم، وتعرية سيدة مسنّة على أيدى رجال وشباب، وفى قلب صعيد مصر، أيضاً ظاهرة ترك شاب يطارد رجل دين ويقتله دون تدخل من أحد من المارة لمحاولة منع الاعتداء، ظاهرة توحش دور رجال الدين وتدخلهم فى كافة شئون الحياة وإصدار فتاوى التحريم بل والتكفير، خذ واقعة تحريض الشيخ خالد الجندى على الدكتور خالد منتصر لمجرد نشر الأخير صوراً لتماثيل رائعة من إبداع فنان إيطالى فكان التحريض بأنها تثير الشهوة، وهناك من بادر برفع دعوى قضائية ضد الدكتور خالد منتصر مطالباً بعقابه لأنه وضع صور التماثيل على صفحته الشخصية على الفيس بوك.
خذ المثال الأقرب وهو واقعة الفنانة شيرين عبدالوهاب، التى علقت بطريقة غير لائقة على مطلب معجبة بأن تغنى لها أغنيتها عن النيل، صحيح أن رد شيرين لم يكن لائقاً، إلا أن الحملة التى تعرضت لها الفنانة غير متصوَّرة، نقابتها تصدر قراراً فورياً بوقفها عن الغناء وتحويلها للتحقيق، المحامى إياه يسارع بتقديم بلاغ ضدها إلى النيابة العامة، الأخطر هو الحملات الشعبية التى ظهرت وتطالب بمنعها من الغناء، وتجريدها من الجنسية المصرية، ومقاطعتها تماماً، باختصار، كانت هناك حملة تشبه تنفيذ الحكم بالإعدام على المطربة شيرين عبدالوهاب لأنها أخطأت أو أساءت التعبير أو تسرعت وتحدثت دون رويّة أو تفكير، نعم هى أخطأت واعتذرت، ومن ثم فإن الحملة التى تتعرض لها تنم عن حالة متفاقمة من الرغبة فى الانتقام والتشفى، كما تكشف عن تراجع سمات الرحمة والاعتدال فى سلوكيات وتصرفات المصريين.
نحن فى حاجة لمراجعة ماذا حدث للمصريين ولماذا فقدوا أهم سماتهم من تراحم واعتدال، ونحن فى أمسّ الحاجة لاستعادة سمات الآباء والأجداد التى جعلت من مصر «فجر الضمير» وملجأ الباحث عن الأمان.

No comments:

Post a Comment