Translate

Monday, November 13, 2017

د. عماد جاد - من يصحح التاريخ؟ - جريدة الوطن - 13/11/2017

إذا كان التاريخ فى العالم يكتبه المنتصرون فإنه فى منطقتنا يكتبه الذين يحكمون، والحكم فى منطقتنا هو لمن غلب وسبق، فتاريخ المنطقة يقول إن الحكم كان على الدوام لمن غلب، لممن تمكّن من خصومه بالقوة، لذلك شهدت منطقتنا صراعات على السلطة وخيانات ومؤامرات أطاحت بحكام وأتت بجدد من نفس الفصيلة أو التيار أو الجماعة، وعلى فترات زمنية كان يحدث التغيير الجذرى، فالبقاء فى السلطة ونهب ثروات البلاد، وتحديداً مصر، كان عامل إغراء للخيانة وللسطو عل السلطة، وهو ما حدث طوال التاريخ، وتحديداً منذ دخول العرب مصر، وكان الحاكم الفتى الذى يتولى السلطة سرعان ما يقوم بشطب تاريخ سلفه تماماً ويمحوه من الذاكرة، وإذا ما كان الحكم الجديد مغايراً لسلفه طائفياً أو عرقياً يكون محو التاريخ مصحوباً بإبادة جماعية. التاريخ فى منطقتنا أكثر من نصفه مزوَّر كُتب حسب هوى الحكام ومَن فى السلطة، وذلك عبر كتَبة من الكتّاب يتطوعون للكتابة باستمرار لمصلحة مَن فى الحكم، يكتبون الوقائع أو يروون الأكاذيب وعكسها، يخدمون كل مَن فى السلطة، يزوّرون ويزيفون دون أدنى إحساس بالذنب أو وخز الضمير، ناهيك عن الضمير العلمى. التاريخ فى منطقتنا يسطر فى وجود الحاكم ومن ثم يُكتب لمصلحته ووفق هواه. انظر إلى ما كُتب فى حياة السادات ستجده بطل الحرب والسلام، رجل البر والتقوى، الرئيس المؤمن الذى يقود دولة العلم والإيمان، وهو فى حقيقة الأمر مَن دمر نسيج البلاد عبر إنشاء الجماعة الإسلامية وتسليحها لضرب التيارين الناصرى والقومى فى الجامعات المصرية، ثم كانت الاعتداءات على الأقباط. هو مَن فتح الباب على مصراعيه لهجرة المصريين للعمل فى بلاد النفط، فتخلوا عن ثقافة بلادهم المتوسطة المتحضرة واكتسبوا ثقافة وهابية منغلقة متطرفة، وفى النهاية لقى مصرعه على يد عناصر هذه الجماعات. جاء حسنى مبارك وقام بطمس تاريخ السادات تدريجياً وروّج منافقوه وتجار السلطة أن الضربة الجوية التى قادها مبارك هى مفتاح النصر فى حرب أكتوبر، وهناك من اختزل أسلحة الجيش ودورها فى سلاح الجو الذى كان يقوده مبارك، ونادراً ما كان يُذكر سلاح آخر، إلى أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير التى أطاحت به وبنظام حكمه فجرى طمس سيرته الذاتية، بل جرى حذفه وإنجازاته من الكتب المدرسية كما تغيرت لهجة الكتّاب الذين كانوا يسبحون بحمده، وهناك من سارع بتقديم البلاغات ضده.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن التاريخ يُكتب فى حياة القادة والحكام، ومن ثم هو تاريخ غير حقيقى، يُكتب مجاملة للحاكم ومداهنة له، طمعاً فى ذهبه وخشية من سيفه، وإذا كان بالإمكان تصحيح التاريخ القريب على أساس أن كل حاكم يأتى يطمس ملامح تاريخ أسلافه أو سلفه المباشر تحديداً، ومن خلال التحقيق والتمحيص يمكن إعادة كتابة الحقائق، أما التاريخ الأبعد والمتخم بالدماء والصراعات والمحشو بالأكاذيب والروايات المزيفة بسبب الخلط ما بين شخصياته وبين الدين، والذى أضفى قداسة على حكام ومسئولين، فهو فى حاجة إلى مراجعة جذرية لكتابة التاريخ الحقيقى بكل حلقاته، وهو ما نفتقده حتى يومنا هذا، ونفاجأ بأن هناك من يريد منح حصانة وقداسة لشخصيات ومرويات أغلب ما كُتب عنها مزيف، لذلك نأمل ألا يتورط مجلس النواب فى إصدار قانون يحصن هذه الشخصيات ويمنع من مراجعة تاريخها أو الكتابة النقدية عنها.

No comments:

Post a Comment