Translate

Monday, July 14, 2014

"الشاعر" هاني عازر بقلم: فاطمة ناعوت

في كلية الهندسة، جامعة عين شمس، كان الأساتذة "قُساةً" لا يقبول منّا الأخطاء اليسيرة. غيرُ مسموح إلا أن تكون مشروعَ مهندس جادّ ودقيق ومبتكِر. من مأثورات أساتذتنا في اليوم الأول: “احنا بنخرّج فراودة. اللي عاوز يهرج يحوّل كلية تانية!" و"فراودة": جمع كلمة "فِرْوِد"، وهي مصطلح في كرة القدم، جاء من تحوير كلمة: "فورورد" الإنجليزية Forward أي اللاعب الذي يتقدم إلى الأمام في أرض الملعب نحو مرمى الخصم ليُحرز هدفًا. ولأنني لا أحبُّ الكرة، كنت أتصور أن كُليتي يجب أن تُخرّج "شعراءَ"، لا لاعبي كرة قدم! 

من هو الشاعر؟ الشاعرُ هو الذي يتمرّد على الموجود، ليخلقَ غير الموجود. الشاعرُ يكسر قوانين المنطق "العاقل" ليبتكر المجاز "المجنون”. يلهو بالشموس والأقمار والبحار والغيمات ويعيد ترتيب الكون كما يحلو له. يغيّر الجغرافيا فيمحو الحدودَ بين الدول إن أزعجته. يبني الممالك في الصحاري ويشقُّ الوديان بين الجبال. يصُفُّ النجومَ في خيط ليصنع عقدًا لحبيبته. يلاعبُ الزمانَ ويشاكسُ البشرَ فيجعل "النُّواسيًّ يعانقُ الخيّامَ"! كما فعل "جورج جرداق" في قصيدة: "هذه ليلتي". كيف يعانقُ شاعرُ الخمر الدمشقيّ ابنُ الزمن العباسي، شاعرًا فارسيًّا سيظهر بعده بأربعمائة عام في خُراسان ليكتب رباعيات تتأرجح بين الإيمان والجنون؟! وحده الشاعرُ قادرٌ على أن يجبر الفرقاءَ على التلاقي والمصافحة. كذلك المهندس، الذي يناطح السحابَ بأبراجٍ شواهقَ، ويضرب بسنّ قلمه بطنَ الأرض المظلم فتُخرج لؤلؤَها. 
مهندسون ألمان وقفوا حائرين سنواتٍ سبعًا أمام نهر لابد أن يخترقه قطار! حاروا لأنهم مهندسون، وفقط، وليسوا شعراء. حتى جاء شاعرٌ مصريّ عام ٢٠٠١ فأقنع النهرَ أن يتنحى جانبًا ويغيّر مسارَه لبعض الوقت، ثم يعود بعدما ينتهون من حفر الأنفاق أسفله ليمرّ القطار. 
أما النهرُ، فهو "سبراي" الذي ينبع من مرتفعات على الحدود التشيكية ليخترق قلب برلين الصاخب وينثر رذاذَه في رئتيها. وأما الشاعرُ المصري، فهو المهندس "هاني عازر" ابن هندسة عين شمس. وأما قصيدته الكبرى التي أنهى كتابتها في خمس سنواتٍ عام ٢٠٠٦، فهي محطة قطارات برلين التي أجبرت شطري ألمانيا الشرقية والغربية على المصافحة بعد طول خصام، كما فعل أبو نواس وعمر الخيام. وأما قصيدته الراهنة، فهي محطة شتوتجارت التي سينهيها عام ٢٠١٩. وأما قصيدته الأجمل، فهي قبوله منصب مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل والأنفاق في مصر، دون مقابل. وأما حبيبتي هندسة عين شمس، فشكرًا لأنك تصنعين المهندسين الشعراء. وأما "تاجُ العلاء في مفرق الشرق"، مصر، فألف شكر لأنك تُنجبين شرفاءَ يرفعون لواءَكِ عاليًا في كل الدنيا.


فاطمة ناعوت

المصري اليوم

١٤ يوليو ٢٠١٤

No comments:

Post a Comment