Translate

Monday, July 14, 2014

العقاد كارهاً للعلمانية «٢» بقلم د. مراد وهبة ١٤/ ٧/ ٢٠١٤

لماذا يقف العقاد عند الشكل دون المضمون فى دفاعه عن حرية الفكر؟
ما قيمة أن يدافع العقاد عن حق طه حسين فى حرية التعبير ولا يدافع عن حقه فى الشك فى صحة الشعر الجاهلى، ذلك أن التهمة الموجهة إلى طه حسين أنه كافر بسبب الشك وليس بسبب حقه فى حرية التعبير؟
الجواب عندى أن المضمون دون الشكل على علاقة بالحقيقة، والحقيقة على علاقة بالعقل. والعقاد يريد أن يفصل بين الحقيقة والعقل حتى لا يقع فى براثن الدوجماطيقية التى تعنى توهم امتلاك الحقيقة المطلقة. ومن هنا فإن العقاد يحيل الحقيقة إلى الوجدان دون العقل يقول: «لا يستطيع الإنسان أن ينفذ عن طريق حواسه وعقله إلى معرفة الحقائق الكونية فهما لا يطلعانه على شىء». وفى «خلاصة اليومية» يشك العقاد فى قدرة العقل على إثبات وجود الله، إذ إن الإثبات فى رأيه، مردود إلى الشعور وليس إلى الفكر. وفى كتاب «الله» يقرر العقاد أن مسألة الألوهية لا تدرك بالعقل ولا بالحس، إنما بالوعى الكونى المركب فى طبيعة الإنسان.
وأظن أن قول العقاد بقدرة الوجدان دون العقل على الوعى بوجود الله تمهيد لربط الوجدان دون العقل بالعقيدة الدينية. ومن هنا انحاز العقاد إلى حاكمية الله. ففى فصل «الحكومة» من كتابه «الفلسفة القرآنية» يقول العقاد «يطاع الحاكم ما أطاع الله فإن لم يطعه فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق». ثم يقول «فليست مسألة الفصل بين الدين والدولة فى الإسلام بالمسألة التى تصطدم بحق الراعى أو حق الرعية الذى عُرف فى تاريخ هذه المسألة عند الأمم الأوروبية، وليست هى المشكلة المعروضة للبت فيها بين شعب من الشعوب الإسلامية». ثم يوجز رأيه فى هذه المسألة فى عبارة مقتضبة، يقول: ونحن فى هذا الكتاب قد تعرضنا للكلام عن الفلسفة القرآنية من حيث هى عقيدة للجماعات الإسلامية. ومن هنا كان رأيى أن كتابه المعنون «الفلسفة القرآنية» يصلح أن يكون عنوانه «عقيدة الجماعات الإسلامية». والعقيدة هنا مثل وجود الله تخرج من العقل وتدخل فى الوجدان بحكم العلاقة الحميمة بين العقيدة والوجدان. ومن هنا كان العقاد منطقياً مع نفسه عندما قال عن فرح أنطون إنه كان إلى يوم وفاته ممسكاً بالقوس لا يٌحول بصره عن الهدف الذى خدعه. وقد حدد العقاد هذا الهدف الذى كان ينشده أنطون والذى خدعه فى دعوة أنطون إلى الفصل بين الدين والدولة. وفى رأيه الذى ارتآه فى كلامه عن ابن رشد ذاهباً فيه إلى انتقاء الجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية فى الخلافة الإسلامية هو الرأى الذى كان من أسباب فشله وكساد مجلته «الجامعة».
ويتساءل العقاد عن سبب دعوة أنطون إلى فصل السلطتين الدينية والدنيوية فيردها العقاد إلى نشأة أنطون فى سوريا حيث كان رجال الدين المسيحى فى أواسط النصف الثانى من القرن التاسع عشر يجمعون بين الزعامة فى الدين والزعامة فى السياسة. بيد أن هذا السبب الذى يشير إليه العقاد لا يستقيم مع قول أنطون فى مفتتح كتابه «ابن رشد وفلسفته» أنه يقدم هذا الكتاب للعقلاء فى كل ملة وكل دين الذين عرفوا مضار مزج الدين بالدنيا. ومعنى هذه العبارة أن أنطون يدعو إلى العلمانية، وأن هذه العلمانية ليست مقصورة على دين دون آخر على نحو ما يرى العقاد، وأن مفهوم «حاكمية الله» هو سبب كراهية العقاد للعلمانية.

No comments:

Post a Comment