Translate

Monday, July 28, 2014

المسيحيون ملح الارض العربية بقلم ياسين سويد











انهم ملح ارضنا العربية، سبقونا اليها قروناً فعمروها وسكنوها وبعثوا في دياجيرها انوار الهداية والتقوى، والخصب والعطاء، ولحقنا بهم بعد ستة قرون فاستقبلونا وعشنا معاً على هذه الارض التي اضحت بفضل تلاقينا، مختبراً ناجحاً للتعايش بين الديانتين السماويتين: المسيحية والاسلام.
وبعد عشرين قرناً من وجود المسيحية في أرض العرب، واربعة عشر قرناً من وصولنا، نحن المسلمين اليها، غدرت الصهيونية ربيبة اليهودية وحاضنتها بالارض واهلها، فانتزعت جزءاً غالباً منها، فلسطين، لتقيم على ارضها المقدسة دولة عنصرية معادية لأهلها الاصليين مسيحيين ومسلمين بعدما طردتهم منها وشردتهم، وسمّت تلك الارض المغتصبة اسماً هجيناً هو "اسرائيل". ووقفنا معاً، مسيحيين ومسلمين، نقاتل الكيان الهجين والمعتدي والمغتصب، يداً بيد، وقلباً على قلب، وعرقاً يمتزج بعرق.
كان ذلك منذ ستة عقود فقط، منذ عام 1948 وحتى 2008، حين وصل "جورج دبليو بوش" المندوب السامي الاميركي على بلدان الشرق الاوسط (التسمية الاميركية لأرض العرب) الى "فلسطين المغتصبة" (او اسرائيل)، ليعلنها "دولة يهودية"، ولم يلبث ان بدأ اليهود ينفذون امر "الرئيس الاميركي الاعلى" فبدأت احداث عكا ويافا واللد والرملة: قتل للعرب وتهجير وتدميير لبيوتهم ومنعهم من قطاف محاصيلهم، بقصد اكراههم على الهجرة، تنفيذا للقرار السامي الاميركي: اسرائيل دولة يهودية.
وفجأة، طلعت علينا اخبار تهجير آلاف العائلات المسيحية من الموصل بالعراق...
لقد كان العراق حتى اجتاحه المحتل الاميركي عام 2003، اقوى الاقطار العربية على الاطلاق، واشدها عداءً لاسرائيل، وكان ذا جيش عربي وقوي ومتقدم وقادر على المواجهة، وطامح لأن يصل الى "التخصيب النووي" بحيث يساوي العدو الاسرائيلي في امتلاكه للسلاح النووي، وقد شكل الوئام بين اهله (المسيحيين والمسلمين خصوصاً) وحدة لا تقبل الانفصام.
ورغم ان التحقيق في العدوان على نيويورك وواشنطن، في ايلول 2001، اكد انه لم يكن بين المعتدين عراقي واحد، فقد كان القرار الاميركي الصهيوني ان يستهل "جورج دبليو بوش" عدوانه على العالم الاسلامي "المعتدي" بضرب العراق وتدميره مما يؤكد انه كان للصهيونية دور "فاعل" في اتخاذ هذا القرار، لما للعراق من تأثير في موازين القوى بين العرب واسرائيل.
اولا يثير الانتباه ان نرى نشاطاً اسرائيلياً ملحوظاً في العراق بقسميه: الكردي والعربي، حيث يسرح الصهاينة ويمرحون في كنف المحتل الاميركي؟ وبالتواطؤ معه؟
ورغم ان الرئيس الاميركي لم يستطع ان يقنع المنظمة العالمية في نيويورك بصوابية قراره هذا، فهو لم يتورع عن ان يجتاح العراق (عام 2003) ويدمر كل معالمها الحضارية ويشرد اهلها ويقتل مئات الالاف منهم، دون اي مبرر، ويرمي بذور الفتنة بين طوائفها ومذاهبها واجناسها، ويفتح ابواب العراق لاجتياح صهيوني مماثل يعيث بالبلد العربي وبين شعبه واهله، نميمةً وفساداً، مما اعاد العراق الى القرون الوسطى، قرون الظلام الدامية.
وتأتي احداث الموصل اليوم حيث يجري تهجير العائلات المسيحية من المدينة واقتلاعها من بيوتها واملاكها ومن بين اهلها، ومن وطنها الذي عاشت فيه على مر السنين، جنباً الى جنب، مع باقي المواطنين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم واجناسهم، دون ان يجد المراقب اي مبرر، او اي مسوغ شرعي لهذه الاحداث.
ويتساءل المرء مباشرة: لماذا الموصل؟ ولماذا يقوم بهذا العمل المسلمون بالذات؟ وأية لعنة أصابت اهل هذه الارض العربية، من تهجير لمن تبقى من العرب، مسلمين ومسيحيين، في "فلسطين المغتصبة"، وفي الوقت نفسه: تهجير للمسيحيين من اهل الموصل (على ايدي اهلهم المسلمين) وتحت غطاء واضح هو الاحتلال الاميركي؟
هل يكتفي "راعي المخطط" بما يجري في الموصل؟ ام اننا سنرى انفسنا امام سيناريو يشبه، تماماً، ما يجري في "فلسطين المغتصبة"، حيث بدأ في عكا وانتقل الى بقية المدن الفلسطينية، برعاية اسرائيلية حتما، الى ان تخلو "فلسطين المغتصبة" من اهلها الاصليين العرب، مسلمين ومسيحيين؟
بدأت في الموصل، وربما تنتقل الى بقية مدن العراق (ولنقل العراق فقط كمرحلة اولى) الى ان يخلو العراق من اهله الاصليين من العرب المسيحيين. وبعدها: كيف الاحوال في مصر؟ والاردن؟ ولبنان؟ وبلاد المغرب العربي؟
عند المخطط العبقري "جورج دبليو بوش" واركانه من "اللوبي اليهودي" نجد الجواب حتماً. انه عصر التغيرات الكبرى في هذا الشرق العربي البائس، وبارادة اميركية صهيونية مشتركة. م، أوليس هو المخطط الاميركي نفسه الذي بشر به "جورج دبليو بوش" حلفاءه الاسرائيليين يوم زارهم في القدس واعلن اسرائيل "دولة يهودية"؟
العرب، اليوم، امام مخطط "تآمري" رهيب يستهدف كيانهم ومجتمعهم وحضارتهم:
1– تصفية العرب، مسيحيين ومسلمين، من الكيان الصهيوني، وطردهم خارجه، بعد ان يحل محلهم، في فلسطين، يهود من مختلف الاعراق والاجناس: بحيث يشكل هؤلاء العرب المطردون من "فلسطين المغتصبة" هجرة ثالثة للفلسطينيين من ارضهم وديارهم (الهجرة الاولى عام 1948، والثانية عام 1967)، وتشكل هذه الهجرة "قنبلة ديموغرافية" تعجز الكيانات العربية المحيطة باسرائيل (وهي لبنان وسوريا والاردن) عن تحملها، فتنفجر مهددة الكراسي والعروش العربية.
2– ربما يجترح العقل الاميركي الصهيوني المتآمر "مؤامرة مستحدثة" قائمة على تهجير المسيحيين من كامل العراق (كما هجروا من فلسطين) حيث يحل الفلسطينيون (المسلمون) محل المسيحيين في العراق، وان لزم الامر، في سائر الاقطار العربية. ألم يقدم الاميركيون للرئيس اللبناني "سليمان فرنجيه" في مطلع الحرب الاهلية اللبنانية عام 1976، اقتراحاً "استثنائياً" بأن ينقل اسطولهم البحري المرابط دائماً في مياه البحر المتوسط، مسيحيي لبنان الى الغرب، كلاجئين، ثم مستوطنين، حماية لهم، حتى اذا نجح هذا المشروع، استعيدت احداث لبنان في سائر بلدان المشرق العربي، مما يحقق للغرب طموحه القديم باقامة دويلات دينية صافية (يهودية، ثم اسلامية) في الشرق؟
3– وأما الجائزة التي ينالها العدو الصهيوني لقاء تنفيذ هذه المؤامرة فهي: إلغاء حق العودة للفلسطينيين باعتبار انهم يعودون الى احضان امتهم، بينما تظل "فلسطين المغتصبة" دولة يهودية خالصة، وموطناً خاصاً باليهود، تماماً كما ارادها "جورج دبليو بوش".
ألا فليحذر العرب المسلمون، شعوباً وقادة، خطر حصول "نكبة جديدة" بدأت بوادرها في فلسطين والعراق، وهي بداية لمخطط اميركي صهيوني خطير ومدمر. وليعلم العرب جميعاً، شعوباً وقادةً، ان المسيحيين هم اهل هذه الارض من قبلنا بقرون، وانهم يشكلون قناديل نور لامتنا، فحذار التفريط بهم، بل شدوا على وجودهم بشغاف قلوبكم، وبكل ما تحملون من حب لأمتكم، على اختلاف كياناتكم ومذاهبكم.
إنهم ملح ارضنا العربية، فإذا ذهب الملح، ستصبح حياة العرب علقماً.
والسؤال الملح اليوم: أين جامعة الدول العربية من كل ما يدبر لهذه الامة؟ ومن كل ما يجري وما سيجري؟


 

No comments:

Post a Comment