Translate

Sunday, September 13, 2015

الطالب المثالى بقلم فاطمة ناعوت ١٤/ ٩/ ٢٠١٥

لنتجاوز عن مفردة: «المثالى»، التى أُفضّلُ عليها عبارات من قبيل: «الطالب الواعد- الواعى- المستنير- المثقف». غير أن منتهى القول هو تشرّفى بأن أكون ضمن لجنة التحكيم الثلاثية فى مسابقة اختيار الطالب والطالبة المثاليين على مستوى جامعات مصر، التى دشّنتها وزارةُ الشباب والرياضة فى «أسبوع شباب الجامعات المصرية العاشر»، هذا العام.
فى أحد مدرجات جامعة قناة السويس، اصطفّ خمسون طالبًا وطالبة مثاليون، من خمس وعشرين جامعة مصرية، أمام ثلاثتنا، أعضاء اللجنة: الفنانة المثقفة وفاء الحكيم، أ. حسام نصار، وكيل وزارة الثقافة الأسبق، وكاتبة السطور، لكى ننتخب من بينهم وبينهن طالبًا وطالبةً سيُتوَّجان بإكليل المثالية النهائى هذا العام، ليكونا نموذجًا لشباب مصر، الذى نراهن أن يغدو فى الغد صانعَ قرارها وحامل مشعل تنويرها.
استقرّ رأيُنا على أن يكون امتحانُ التصفية النهائية تحريريا وشفويا، نحاول من خلاله قراءة أدمغة الطلاب، وملامسة أرواحهم. كيف يفكرون، كيف يرون أنفسهم، كيف ينظرون إلى العالم ويُنصتون إلى إيقاعه، كيف يعبّرون عن أفكارهم، كيف يرسمون مظهرهم الخارجى، ويصوغون أسلوب حديثهم، ماذا يقرأون، مدى اطلاعهم على الفنون البصرية والموسيقية، أفق إلمامهم بمنجز التاريخ الإنسانى، مستوى فراستهم وثباتهم وثقتهم فى أنفسهم، مدى إتقانهم للغة العربية، وإلمامهم باللغات الأخرى، وما إلى ذلك.
وربما علىَّ أن أعترف أن ثلاثتنا، دون اتفاق مسبق، قد أجمعنا على أن يكون تقييمنا للطلاب جادًّا عسيرًا، يميلُ نحو الغربلة الدقيقة، لا المرونة المتساهلة. كأنما كنّا نختبر الفارق الثقافى بين هذ الجيل: ابن الوجبات الجاهزة السريعة فى المعارف والفنون والعلوم والآداب، وبين جيلنا الذى تربّى على مطاردة المعلومة فى ثكناتها بين أوراق الموسوعات وخبيئات متون الكتب، وشبّت أذناه على راقى الموسيقى فى كلاسيكياتها وحداثتها، وتربّت عيناه على بديع الفنون التشكيلية والنحتية والدرامية، ولحقنا شطرًا من جمال المجتمع المصرى ونظافة شوارعه وميادينه وأزقته، قبلما يسقط كل شىء فى وحل الدمامة والقبح والابتذال.
أبهجتنى أمورٌ، وأحزنتنى أمورٌ. أبهجنى أن طالب اليوم لديه ثقة فى النفس. فقليل منهم مَن هاب الموقف. وأبهجنى أنهم يحملون هموم مجتمعهم ويشاركون إلى حد ما فى الأنشطة العامة والبناء المجتمعى. وأحزننى ضعف معظم الطلاب فى المعارف العامة على سهولة ما سألنا. لم يعرف معظمهم اسم الرواية الوحيدة التى كتبها العقاد، ولم يستطع أغلبهم تذكر مؤلفات طه حسين، سوى «الأيام»، وغالبًا عرفوها من المسلسل. عجز الجميع عن ذكر أسماء مدارس فنية إلا السوريالية. ولم يقدر سوى النادر منهم على أن يُسمّى خمسة فلاسفة عرفهم التاريخ. لم يعرفوا مَن هو تولستوى أو ڤان جوخ، أو ابن رشد، أو الغزالى، (وهم أوائل الطلبة) ولا سمعوا عن حسن فتحى وزها حديد وفرانك لويد رايت (حتى طلاب الهندسة)، ولا عرفوا شيئًا عن المقامات الموسيقية ولا البحور الشعرية (حتى ممن ينظمون الشعر)! أحدُ الطلاب كان أمينًا معنا منذ البدء فقال: «لا أحب القراءة». ولما سألناه كيف صعد إلى مستوى الطالب المثالى فى جامعته، قال إنه أجاب عن عدة أسئلة من عيّنة: «ما هو اليخضور؟ وما هو اليعسوب؟».
تألمتُ حين شاهدتُ بعض أوائل الطلبة يخلطون بين الهاء والتاء المربوطة، وبين الياء والألف اللينة، ولا يعرفون متى تظهر الهمزةُ ومتى تتنحّى، فضلاً عن غياب الأجرومية النحوية والصرفية عن عالمهم. وحزنتُ حين تأكد لى أن قراءات صفوة طلاب جامعات مصر لم تتجاوز بعضَ كتب التنمية البشرية وشيئًا من أنيس منصور، فى حين كان من بينهم النادرُ الذى يحفظ متفرقات من المتنبى وورد وورث ويجيد الرسم والشطرنج وحصل على بطولات رياضية.
رغم ما سبق، أوعز لى شىءٌ ما بأن أثق فى أن أولئك الأبناء سوف يصنعون لمصر غدًا أفضل. ربما وجوههم المشرقة، والابتسامةُ الحلوة التى أضاءت عيون الصبايا، وكأنما تقول: نحن مصريون، نحن أبناء هذه الأرض الطيبة، سوف نصنع غدًا يليق باسمها الشريف.

No comments:

Post a Comment