Translate

Tuesday, September 1, 2015

امرأة تؤذن: حى على الفلاح بقلم نادين البدير ١/ ٩/ ٢٠١٥

قبل أيام نشر الأستاذ أحمد حمدى فى موقع «المصرى اليوم» ما جاء بكتاب المؤلفة الهولندية، كارين فان نيوفريك، التى زارت مصر فى الثمانينيات لتكتشف كواليس شارع محمد على. التقت الصحفية بالعالمة أم محمد، وهى سيدة تقدم بها العمر وتعيش عزلة ووحدة فى إحدى بنايات الشارع الشهير، بعد أن كانت الراقصة الأولى زمن الثلاثينيات، وكان القاصى والدانى يتمنى الاقتراب منها أيام وهجها ونجوميتها.
ابتعدت الأضواء عن العالمة السابقة لأسباب تتعلق كما ذكرت بدخول راقصات جديدات حلبة المنافسة، وتغير ملابسهن وميلهن للعرى والإغراء بعد أن كانت بدلة الرقص تغطى معظم الجسد فى مهنة يقدم بها الفن على الغواية. لم يعجب أم محمد هذا الحال (لم يذكر المقال اسم شهرتها الأصلى) وقررت ترك الساحة للأخريات. فماذا فعلت فى حياتها التالية التى جار بها الزمان وصار عليها تغطية نفقاتها؟
رفضت العمل كخادمة، اتجهت للتدين وأخذت تعلن عن مواقيت الصلاة كما كان يفعل أبوها فى الزقازيق.
لقد عملت تلك المرأة مؤذنة!
نشر الكتاب A trade like any other Female singers and dancers in Egypt عام ١٩٩٨، ومكتوب فيه عنها أن «السيدة المسنة تحصل على بضعة نقود قليلة نظير تأذينها وأنها محبوبة من الجميع الذين يحترمونها لتدينها».
لم أفهم أكان المقصود بالتأذين هنا مرحلة آخر الثمانينيات حين التقتها كارين! أم فى فترات أبكر من القرن العشرين.
والأكثر إثارة للفضول والدهشة وكل علامات التعجب: كيف رضى الشارع المصرى بأن تؤذن فيه امرأة، بل وراقصة سابقة؟
أمر يدحض كل أعاجيب التفاسير التى تسرد علينا ليل نهار، والمتعلقة بإثبات حجب المرأة عن التدخل فى الحياة الدينية.
تاريخياً.. وافق الشارع المسلم على حضور المرأة، لكنه يرفضها اليوم. رفض يبدو مرتبطا بالعروبة أكثر من الإسلام. لأن المرأة بدول العالم الإسلامى وصلت للولاية (المحرمة) على مسلمات العرب. الإشكالية تبدو منحسرة بدقة فى وطننا العربى الشهيد.
إمامة آمنة ودود للمصلين قبل سنوات بنيويورك لم تمر مروراً عادياً. فتحت آلاف الجدالات والمقالات والصرخات والشتائم حول جواز ولاية المرأة وإمامتها وتوليها الإفتاء. وكنت وغيرى نأمل أن تكون الحركة بداية لثورة تخلق مبادئ دينية عصرية تناسب جمهور النساء بفرنسا وألاسكا كما السعودية وماليزيا.
يومها كان الاعتراض مرتكزاً على الغرائز التى قد تثيرها مسألة وجود امرأة تقف فى الصف الأمامى تركع وتسجد ومن خلفها الرجال. جاء الاعتراض بمثابة اعتراف واضح يلخص وصول رجال مجتمعاتنا إلى حالة متقدمة من السعار الجنسى. رغم ذلك لا أحد يحكى عن غرائز المثليين الذين يصلون الجماعة فى المساجد خلف رجال يركعون ويسجدون. ولا أحد يفضح بصوت مسموع شيوخ الدين الذين استغلوا جنسيا صبية ومراهقين كانوا ضمن مريديهم وحلقات ذكرهم.
ماذا يضيرك لو سمعت الأذان بصوت أنثوى؟
ماذا ينقص منك لو أصبح الدين لنا جميعنا. أنت وأنا؟
بعد تعرفى على المؤذنة أم محمد ازداد يقينى بأن كل ثوراتنا لم تكن إلا نقمة وتمرداً على الحضارة.
لاحظوا عبارة: «كان الجميع يحترمها لتدينها».
ولو أنها خرجت اليوم (لتدينها) كى تؤذن فى أى شارع عربى لاحتقرها الجميع ولعنوا الأب الذى أنجبها.

No comments:

Post a Comment