Translate

Wednesday, October 28, 2015

آنجيلا ميركل وابنتى بقلم نادين البدير ٢٨/ ١٠/ ٢٠١٥

هل كان إنجابى لطفلة مقامرة فى هذه المنطقة التى لا تثق بنسائها كل الثقة لأنهن متخلفات أو معوجات.
أشعر أنى بورطة رغم سعادتى البالغة. إذ أحاول تخيل الطريقة التى ستتشكل بها ذهنيتها حين تكبر. نعم، سأبذل كل الجهد كى لا ترتاد نفس المدرسة الصغيرة التى حولت أيام صباى لأوقات ملتهبة من الحيرة والضياع. لم تؤثر بى لأنى قاومت التطرف الذى اكتسحها، لكن غالبية الطالبات تحولن عقبها إما لداعيات أو لأمهات دعاة أو إلى مرحلة القناعة المطلقة بجماليات اللاشىء.
مدرسة بأفكار قاعدية داعشية، كل شىء فيها كان حراماً، ابتداء من الصور ومرورا بالرقص والغناء، وحتى التمارين البدنية والشعر، كلها حرام فى حرام. ذات صباح وفيما كانوا يوزعون علينا جوائز سخيفة، صفقت لدى سماعى اسم الفائزة الأولى، فرمقتنى الحاضرات باستغراب كأنى ارتكبت منكرا، فيما أخذن يرددن بصوت مرتفع يعلو ويعلو ويصدح: الله أكبر. الله أكبر.
تلك التكبيرات كانت دارجة كبديل عن التصفيق الذى عُد وقتها بدعة.
ليس الفارق كبيرا فى شكل ومضمون الحاضنة المدرسية بين الأمس واليوم. أناقش كثيرين فى مجال التعليم، فيخبروننى قصصا فظيعة يرتكبها المعلمون والمعلمات فى التحريض على النظام السياسى وبث دعايات التطرف والإرهاب والتكفير وكره الآخر. عدا بنية المناهج التى لم تتغير، ولا تزال تفرخ سنوياً أجيالا جديدة من فكر ما بعد داعش وخراسان.
على امتداد مناهج العالم العربى، لا أريد لابنتى أن تتلقى دروساً تمارس فيها البنت دور الطبخ والكنس، فيما الولد يظهر بصفحة الكتاب مهندسا أو جندياً أو قاضياً.
هل أكون مذنبة إن حرصت على أن تنشأ ابنتى فى وطنها العربى الكبير حيث تنعدم كل فرص الأمل بمستقبل بديع لأحلام الإناث. مخترعة، رائدة فضاء، رئيسة، زعيمة، والية وفقيهة ومفتية وإمامة..
بلاد يظن سكانها أن التحدث مع الأطفال بلغة غير العربية هو أقصى معايير الحضارة، وتسيطر عليهم عقدة المستعمر وتقليد لهجته التى تبحث عنها الأمهات بشق الأنفس لتتباهى أمام الصديقات والمعارف، فابنتها تجهل العربية وتتقن الإنجليزية بلكنة أمريكية، فى الوقت الذى تتشرب فيه كل تعاليم الطاعة المطلقة لزوجها والمرتبطة بطاعة السماء. تعاليم تتناقض تماما مع تعاليم الغرب الذى يستمتن لتقليده فى ملبسه ولغته.
كم تعجبنى المستشارة الألمانية وهى تلقى خطابها أمام الزعماء بلغتها الأم، فتجبرهم على الاستعانة بالسماعات لينصتوا للترجمة. ليتسمروا أمام حالة من تراكمات الحضارة، اسمها آنجيلا.
آنجيلا ميركل. متى تخرج من أرحام العربيات واحدة تشبهها؟
طالما أن التمسك بالعربية أثناء الحديث دون إدخال مفردات من كل القواميس صار تخلفاً، فالمفترض أن نخجل تباعا من الحزمة العربية بأكملها، والتى تضم إلى جانب اللغة العادات والتقاليد والأعراف والموروثات والغضب المخزى الذى يعترى الوجوه كلما أتينا على ذكر المساواة.
لكن ريثما نتخلص من كل هذه الجذور المعيقة للإبداع والذكاء وأحلام اكتشاف باطن الأرض والفضاء. هل ستلومنى آنجى على حياتها هنا، أم أن آنجيلا يمكنها الظهور حتى بأقسى الظروف تعاطياً مع الأنثى؟ أشك فى ذلك.

No comments:

Post a Comment