Translate

Sunday, October 25, 2015

عفواً حزب النور.. دوركم انتهى بقلم عبدالناصر سلامة ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٥

بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين مباشرة، كان من المفترض أن يلحق بهم السلفيون فورا، وتحديداً الجناح السياسى، المسمى حزب النور، هكذا كانت رؤية ٣٠ يونيو، ولهذا تداولت الأنباء أسماء قيادات الحزب فى قضايا مازالت كامنة حتى وقت اللزوم، وهكذا كانت تتوقع كل القوى السياسية، إلا أن رؤية فردية فرضت إرادتها فى النهاية، باعتبارها صاحبة الكلمة الأخيرة، وقد انطلقت هذه الرؤية من ضرورة الاستفادة منهم إلى أقصى مدى ممكن، وأن الإطاحة بالحزب ككل سوف تكون بشكل ديمقراطى من خلال الصناديق، وليس على طريقة الإطاحة بالإخوان.
وقد كانت هذه الرؤية ثاقبة إلى حد كبير، حيث أخذت فى الاعتبار عدة عوامل مهمة هى:
* أن الطريقة التى جرى بها الطلاق البائن بين النور والإخوان خسر معها الحزب نسبة كبيرة جدا من الشارع الإسلامى الذى لا ينتمى رسميا لا إلى هذه ولا إلى تلك، ومن ثم فإن موقف الحزب فى أى عملية تصويتية سوف يحمل تراجعا كبيرا.
* أن الحزب قد خسر كثيرا من قواعده، خاصة الشبابية منها، الذين لم يقبلوا بهذا الموقف، والدليل على ذلك أن اعتصامى رابعة والنهضة قد ضمَّا الآلاف من الشباب المنتمين لحزب النور رسميا، وبذلك أصبح الحزب يتحلل من داخله.
* أن المواقف السياسية لقادة الحزب، مخيون وبرهامى وبكار، الذين انخرطوا فى التنازلات، لن تلقى قبولا بأى حال بين أعضاء الحزب الذين يُغلبون عامل الدين على اللعب بالسياسة، ومن ثم فسوف تنفض من حولهم أعداد كبيرة بمرور الوقت، وقد كان.
* أضف إلى ذلك أن الفتاوى الدينية العديدة التى صدرت عن برهامى تحديدا، على مدى العامين السابقين، كانت كلها محل انتقاد شديد، ليس بين أعضاء الحزب فقط، ولا بين علماء الدين، وإنما فى أوساط العامة أيضا، الذين رأوا فيها خللا واضحا.
* إلى جانب ذلك أيضا، فإن المواقف المتضاربة للحزب تجاه كل القضايا تقريبا، سياسية كانت أو دينية، قُوبلت باستياء شديد، حتى لدى خصومهم، الذين تبنوا حملة تشهير بالحزب على كل الأصعدة، ما جعل منه مادة دسمة للتندر.
* الأهم من ذلك أن الحزب، بشكله الحالى، أصبح يمثل عبئا على النظام السياسى، حيث النص الدستورى على منع إشهار أحزاب على أساس دينى، والهجوم الضارى طوال الوقت من الأحزاب العلمانية عليه، وسط مخاوف من تفوقه فى الانتخابات.
المهم أن ساعة الخلاص من الحزب قد حانت، وقد يتم إغلاق هذه القضايا التى تدينهم، أو التغاضى عن تلك الملفات بشأنهم، رداً للجميل، فهم الذين أفتوا من قبل بعدم جواز الخروج على الحاكم فى عهد الرئيس مبارك، ثم رأوا جواز ذلك مع الرئيس مرسى، ثم حرّموا ذلك مع الرئيس السيسى، وهم الذين أجازوا الدعاء على أحد الرؤساء، ورأوه حراما على الرئيس الآخر، وهكذا كانوا طوال الوقت مجالا خصبا للانتقاد، بل للسخرية أيضا.
الغريب فى الأمر أن قادة الحزب، وعلى مدى عامين وأربعة أشهر تقريبا، لم يحاولوا أبدا أن يعوا الحقيقة، وهى أنهم ورقة تم استخدامها فى وقت ما لضرب تيار مشابه، سواء بالفتاوى أو بالتصريحات، ولن تكون هناك حاجة إليهم فى المستقبل، لا سياسياً، حيث كثرة أعداد أحزاب النفاق وتقديم فروض الولاء والطاعة، ولا دينياً، حيث كثرة مشايخ آخر الزمان، بدءا بمشايخ الميادين والمظاهرات، حتى مشايخ الفنانات والفضائيات.
هى نتيجة كانت متوقعة، وسقوط لم يكن مفاجئا، لحزب آثر العمل بالسياسة عن العمل بالدعوة على خلاف ما كان يجب، وآثر الانفصال عن قاعدته، لحساب السلطة الحاكمة، وأغرت قياداته شهرة الفضائيات ولقاءات العسكريين والتنفيذيين عن الالتحام بالشارع والاحتكام إلى الله، ولذلك فقد رأى البعض أنهم خسروها دنيا وآخرة معا، وكما نرى فقد سادت حالة من الارتياح العام فى الشارع المصرى ككل، أو بمعنى آخر (فما بكت عليهم السماء والأرض).
إلا أنه رغم كل ذلك يبدو أن الرسالة لم تصل الحزب حتى الآن، وليس أدل على ذلك من كلام ياسر برهامى نفسه فى أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات (السيسى سابنا ننضرب)، فى تصريح غريب يؤكد أنه كان يتوقع تدخلاً فوقياً فى مواجهة إرادة الناخبين، أو فى مواجهة حملة التشهير بالحزب، فهو لم يعِ، حتى اللحظة، أن التعبير الأدق، حسبما ردد أحد أعضاء الحزب، هو أن السيسى ضربنا، أو قد يكون وعى الأمر، ولكن لا يريد أن يصدق.. إنها الملهاة.
أعتقد فى أعقاب هذه الانتخابات مباشرة، وبالتزامن مع الضائقة المالية والاقتصادية التى تمر بها البلاد، ومع حالة الاهتراء العام على كل الأصعدة، لن يكون حزب النور وحده هو النموذج فى هذا المضمار، هناك الكثير من الكيانات التى سوف تلحق بالحزب، ويجب أن تلحق به على وجه السرعة، منها ما هو السياسى، والإعلامى، ومنها ما هو التنفيذى والأهلى، وأيضا فى مجال الخبراء والمستشارين.
بمعنى أصح، القضية لم تعد حزب النور، الذى أصبح من الماضى، سياسيا على الأقل، نحن الآن فى حاجة إلى ثورة تصحيح حقيقية، محورها الفاسدون والمفسدون والانتهازيون، إضافة إلى الزملاء والأصدقاء والرفقاء، ولنكن على يقين أنها إن لم تكن بقرارات القيادة فسوف تكون بقوة الشارع، وإن لم تكن عن طيب خاطر فسوف تكون قسرا وإلزاما، وإن لم تكن بحجم المأساة التى نعيشها فهى ملهاة إضافية.

No comments:

Post a Comment