Translate

Wednesday, December 11, 2013

المنطق الغائب والصدق بقلم: د. نوال السعداوى بالاهرام

 
نوال السعداوى

الثورة المصرية قامت لإسقاط الحكم القديم وبناء حكم جديد يقوم على فلسفة جديدة تنعكس فى دستور يضعه الذين قاموا بالثورة، فهل تحقق ذلك؟ بعض أعضاء لجنة الخمسين اعلنوا أن كلمة "حكومة مدنية" فى ديباجة الدستور، تعنى "حكم مدني"، يعرفون الفارق بينهما ويخدعون الشعب.
فالحكم يعنى النظام الذى يحكم البلد وفلسفته ومبادئه وقوانينه ومؤسساته التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية. الخ ويستمد الحكم شرعيته واستمراره من سلطة الشعب القادر على اسقاطه، كما حدث فى ثورة 25 يناير 2011، وتم اسقاط حكم مبارك، وفى ثورة 30 يونيو 2013 وتم اسقاط حكم مرسي، أما الحكومة فهى المؤسسة التنفيذية فقط، فإن أخطأت يتم تغييرها بقرار برلماني. وقد استبدل الحكم المدنى بالحكومة المدنية لماذا؟ ولماذا استبدل التمثيل "العادل" للنساء بالتمثيل "المناسب"؟ الفارق بينهما كبير. فالتمثيل العادل للنساء المصريات 50% على الأقل حسب عددهن فى المجتمع، والتمثيل العادل للأقباط 14% حسب عددهم فى مصر.
تملقت لجنة لخمسين (يمين ويسار) الحزب السلفى الدينى (ليقف معها ضد الإخوان) فقررت التضحية بحقوق النساء والأقباط، وضحت أيضا بحقوق الشباب والفقراء لإرضاء القوى الطبقية وكبار السن. ومشروع الدستور ينطوى على تناقضات ومراوغات لتمرير فلسفة حكم قديم تحت اسم النظام الثورى الجديد. وتغلبت مصالح القلة المستريحة على الأغلبية الساحقة المسحوقة، تحت عبارات انشائية مثل: المساواة بين المصريين بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة وغيرها، ثم جاءت المواد الأخرى لتنطوى على التفرقة الطبقية والجنسية والازدواجية القائمة على الفصل بين العام والخاص أو بين الدول والعائلة؟
المساواة بين الرجال والنساء فى الحياة العامة فقط لماذا؟ والأسرة أو الحياة الخاصة هى أساس المجتمع والحجر الأساسى للدولة؟ كيف تكون مؤسسة الأسرة دينية فى الدولة المدنية؟ كيف يتناقض العام مع الخاص؟ هل يقوم بناء الدولة على الهواء أم على الحجر الأساسى أى الأسرة؟
ديباجة الدستور تسرد تاريخ مصر من منظور طبقى أبوي، تسوق بطولات فردية لبعض الرؤساء ورجالهم، تتجاهل دور النساء والشعب الفقير فى الثورات المتعاقبة التى غيرت مجرى التاريخ، بما فيها الثورات الأخيرة (2011 و2013)، ضحوا بدمائهم ودمائهن من أجل الوطن فلم يأخذوا الا الموت والفقر والقهر؟ وجاءت كلمة المواطنات (مرة واحدة) على استحياء فى مؤخرة ديباجة من خمسمائة كلمة، قام بتأليفها خمسون رجلا من الوجهاء، وخمس نساء من الوجيهات، احتل (أغلبهم) المناصب المهمة فى الحكم القديم، وان اختلفت الكوادر والدرجات لم يدفعوا ثمن الثورات، لا من عرقهم ودمهم أو مالهم وعيالهم، عاشوا آمنين مستفيدين من الحكم وان عارضوه، تحت اسم المعارضة الشرعية، وغيرهم ممن قاموا بالثورة، ينزفون الدم فى السجون، أو يعانون الفقر والغربة فى المنافي. لم يغير الدستور فلسفة الحكم الرأسمالى الأبوى الدينى القائم على الازدواجية القانونية والأخلاقية فى الدولة والأسرة، لم يغير الدستور قانون الحصانة المعكوس، الذى يحصن صاحب القوة ضد الضعفاء، يحصن الرئيس ضد المرؤوس فى الدولة، ويحصن الرجل ضد المرأة فى العائلة، ويفصل بين المسئولية والقوة، كلما ارتفعت القوة انخفضت المسئولية، فلسفة كبش الفداء، يعاقبون الضحية ويطلقون سراح الجانى صاحب القوة والشرف.
ولم يغير الدستور الفلسفة الاقتصادية للحكم، التى أدت الى الفساد المتوحش والفقر المدقع والبطالة الخطيرة، نتائج سياسة السادات ومبارك القائمة على الانفتاح وسوق الربح والغش والرأسمالية الشرسة والخصخصة والمعونة والتبعية المهينة، الى حد الاستعانة بالقطاع الخاص الأجنبى لكنس الشوارع وتولى خدمات التعليم والصحة والثقافة والرياضة، مما أدى الى تراكم القمامة وتدهور التعليم والصحة والثقافة والرياضة واغتصاب الأطفال وتحجيب البنات. ولم تحذف المادة الثانية التى أقحمها السادات فى الدستور منذ أربعين عاما ليدعم التيارات السلفية الدينية والاخوان المسلمين، تمهيدا لتقسيم مصر طائفيا، خدمة للمصالح الإسرائيلية الأمريكية الأوروبية. هذه المادة تؤكد الحكم الدينى وتتناقض جوهريا مع مدنية الحكم، وهكذا غاب عن الدستور المنطق والصدق؟.
 

No comments:

Post a Comment