Translate

Monday, December 9, 2013

وداعاً أبوالنجوم بقلم د. محمد أبوالغار ١٠/ ١٢/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم


هناك حوادث وشخصيات تعد على أصابع اليد الواحدة أثرت فىّ تأثيراً هائلاً وعصفت بوجدانى وساهمت فى تغيير مسار حياتى.
كانت ليلة فى شتاء عام ١٩٧٢ ومصر مازالت تلعق جراحها من آثار الهزيمة الموجعة والشارع يغلى يطالب بتحرير الأرض وأنا شاب عائد من البعثة فى أوروبا لأعمل مدرساً فى جامعة القاهرة وفى غيبتى عن مصر كان شاغلنا الأكبر هو الوطن الجريح، وكانت ألحان وصوت الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم تحرك أشواقنا للوطن ونحن نلتف حول أجهزة التسجيل العتيقة لنستمع سوياً ونغنى خلفه. وبعد عودتى بأيام سعيت إلى سماع إمام ونجم وحدث ذلك بالفعل فى ليلة لن أنساها ما حييت؟ دعانى صديقى د. محسن خطاب، رحمه الله، إلى منزل السيناريست الراحل صلاح فاضل وكانت شقته فى دور أرضى فى العجوزة وبدأ غناء إمام فى الحادية عشرة مساءً وتخللته قراءة قصائد نجم وتدريجياً امتلأت الشقة الصغيرة بحضور كبير ونزل الجيران لحوش المنزل لسماع إمام ونجم وفتحت الشبابيك فى البيوت المجاورة وفى المنور وتدلت الرؤوس فى جو بارد وقارس لتسمع وتستمتع وغنى الشارع كله مع إمام، وأثارت الأغانى الوطنية والأغانى التحريضية شجون الحاضرين جميعاً ودفعتنا جميعاً أن نفعل شيئاً لإنقاذ الوطن المثخن بالجراح، وعدت إلى منزلى فى الثالثة صباحاً ولم أنم لحظة واحدة وظلت الألحان والكلمات تدق فى أذنى وتحرك مشاعرى وأصبحت بفضلها إنساناً مختلفاً. دفعتنى هذه الليلة إلى الانخراط مع طلاب جامعتى الذين كانوا يضغطون على السادات لأخذ قرار العبور بمظاهراتهم الحاشدة وجاءتنى تحذيرات أمن الدولة بأن الدكاترة يجب أن يبتعدوا عن الطلبة المشاغبين تارة والطلبة الشيوعيين تارة ثانية والطلبة العملاء تارة ثالثة وهكذا كان وصف الأمن للطلبة الوطنيين.
وقررت أن أتعرف على نجم وإمام وأصادقهما إذا كان ذلك ممكناً وذهبت إلى حوش قدم فى زيارة لبيته العتيق البسيط الذى كتب عنه الكثيرون وقابلت الشيخ إمام والفنان محمد على رفيق دربهما وبعد ساعة جاء نجم بعد أن ذهب مرسال لإحضاره من المقهى. واتفقنا أن يحضروا إلى منزلى لقضاء سهرة وتكرر ذلك عدة مرات. وكانت السهرات تنتهى بين الثالثة والرابعة صباحاً ويحضرها عدد كبير من الأصدقاء من الفنانين والسياسيين والأدباء وطلبتى فى الجامعة.
و كانت الأغانى تسجل على أشرطة التسجيلات القديمة وأذكر إحدى الليالى وفى حوالى الثالثة صباحاً استيقظت على صوت الغناء ابنتى الصغرى منى وكان عمرها سنتين وهى الآن أستاذة بكلية الطب، وجاءت حافية الأقدام فاحتضنها نجم وجلست على حجره وألف لها قصيدة صغيرة عنوانها منى ولحنها وغناها الشيخ إمام على الفور.
وأذكر يوم أن طلب منى ثوار الجامعة المساعدة فى إدخال نجم وإمام الجامعة بسيارتى لأنها كانت تحمل بادج أعضاء هيئة التدريس ويومها غنى إمام وصدح نجم بأشعاره أمام آلاف الطلاب فى يوم رائع. وأنا واثق أن نجم وإمام كان لهما أثر كبير فى إشعال الثورة الطلابية التى أدت فى النهاية إلى تشجيع السادات على اتخاذ قرار العبور فى ١٩٧٣. واستمرت علاقتى بإمام حتى توفاه الله.
أخيراً غادرنا نجم الموهوب المعجون بطين مصر والذى حرك وجدانها ودافع عن فقرائها ومعدميها وأشعل الثورة فيها.
وداعاً با أبوالنجوم يا من أسعدت المصريين ودفعتهم إلى تحرير الوطن.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

No comments:

Post a Comment