Translate

Friday, January 8, 2016

بنو الفضل فى أوطانهم غرباء تشذّ وتنأى عنهم القرباء! وسيم السيسي بتاريخ ٩/١/٢٠١٦




«قد يغلب الباطل الحق فى كثير من الأحيان، ولكن تبقى للحق ميزته الكبرى التى ينفرد بها، ألا وهى أنه يجعل من أصحابه رواداً للشعوب ومصابيح للتاريخ!».
توماس جيفرسون.
هل يعرف أحد اسم القاضى الذى حكم على سقراط أو توماس مور «صاحب المدينة الفاضلة»، أو برونو أو كوبرنيكس أو جاليليو بالموت؟!
ذهب هؤلاء القضاة إلى العدم، نكرات جاءت، ونكرات ذهبت ولم يهتز لهم فى الوجود نسم، أما هؤلاء الرواد العظماء وأمثالهم مثل الدكتور طه حسين، والشيخ على عبدالرازق، ونجيب محفوظ، وفرج فودة، ونصر حامد أبوزيد، ما أشد ما اضطرب العالم لهم فى حياتهم، وما أشد ما اضطرب لهم بعدها.
إن سر العظمة عند العلماء يكمن فى العقل، وسر العظمة عند أصحاب الفكر الحر المستنير يكمن فى القلب، وسر الخيبة والقلق عند الجلادين أن عقولهم مغلقة لا تستطيع أن تدخل لها شيئاً، وبالرغم من هذا تخرج منها قسوة وحقد وكراهية للحياة والأحياء.
إن مأساة هؤلاء الرواد أنهم يستشرفون المستقبل، فيصطدمون بالحاضر المتخلف، وبعد أن ينتهى زمانهم.. تعود البشرية فتقدسهم!.
الطبرى صاحب أعظم تفسير للقرآن الكريم، وصاحب أعظم تاريخ للإسلام «تاريخ الطبرى»، يموت جوعاً وعطشاً بعد أن رجم أتباع ابن حنبل بيته بالحجارة، فسدّوا عليه الأبواب، فمات حزناً وكمداً قبل أن يموت جوعاً وعطشاً!.
وصوت أبى العلاء يأتى من بعيد:
بنو الفضل فى أوطانهم غرباء
تشذ وتنأى عنهم القرباء
إن الذى يجمع الناس ليس هو الدين «السعودية وإيران مثلاً»، ولا هو الحزب السياسى الواحد «الوفد مثلاً»، ولا هى المصلحة «من أحبك عند شىء، كرهك عن انقطاعه»، إنما الذى يجمع الناس حقاً ودائماً وأبداً: هو الحضارة لأن الحضارة معناها Civility أى الأدب ورقة التعامل مع الإنسان الآخر!.
كان خلف بن المثنى من أهل الفصاحة والبلاغة فى العصر العباسى الأول قال:
لقد شهدنا عشرة فى أحد مجالس العلم بالبصرة، لا يُعرف مثلهم فى الدنيا علماً ونباهة! الخليل بن أحمد، صاحب النحو.. سنى، الحميرى.. شاعر.. شيعى، صالح بن عبدالقدوس.. زنديق.. «كتابه المقدس الزند»، بشار بن برد.. شاعر.. مسيحى، سفيان بن مجاشع.. خوارج، حماد عجرد «زنديق»، ابن رأس الجالوت يهودى، ابن نظير المتكلم «مسيحى»، عمر بن المؤيد.. مجوسى، ابن سنان الحرانى «صابئة»، كانوا يتناشدون الأشعار، ويتبادلون الحوار، فى جو من المودة والحب، لا يكاد يخطر على بال الرائى، هذا الاختلاف الشديد فى دياناتهم ومذاهبهم.
الدولة الدينية تحكمها قوانين من الوحى الإلهى، الدولة المدنية تحكمها قوانين من صنع البشر، الدين ثوابت والسياسة متغيرات، الدين مقدس، السياسة لعبة قذرة «تشرشل»، الدين مطلق والسياسة نسبية، الدين كاسح على المستوى النظرى، كسيح على مستوى الواقع العملى، هذا ما عرفه اليهود فى عصر الشتات، فاقتصرت نصوصهم الدينية على العبادات وهى ثوابت، وابتعدت عن الواقع وهو متغير، تقدمت مصر بالحكم المدنى، وانهارت بحكم إخناتون الدينى، وعادت لمجدها بقانون حقوق الإنسان.. حور محب.


لقد وضعت الإسلام يا إسلام فى أعلى عليين، وأبحرت يا بحيرى فى كتب الفقهاء التى تخلت عنها النمور الآسيوية الإسلامية (جمال البنا بسبب حاجز اللغة)، فأصبحت نموراً حقاً! هنيئاً.. لقد دخلت التاريخ.

No comments:

Post a Comment