«التل يختل» ياسر عبد العزيز المصرى اليوم - 17/4/2016

سيمكن القول فى وقت لاحق إن الأسبوع الثانى من شهر إبريل الجارى كان أسبوعاً مفصلياً فى تاريخ رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى.

 فى هذا الأسبوع، تعرض الرئيس لهزة كبيرة فى شعبيته، واتسع نطاق معارضته، وانضم بعض المترددين والمحايدين إلى معسكر مناوئيه، وبات قطاع من المؤيدين المحبين مزعزع الثقة وقليل الثبات وضعيف الحجة.

ليست تلك أول هزة تصيب شعبية «الرئيس المحبوب»، ولكنها أكبر الهزات وأكثرها جدية وخطورة.

أزمة «جهاز الكفتة» كانت أولى تلك الهزات، وقد أحسن المعارضون والمكايدون استخدامها، وأفرطوا فى جلد الأنصار والمؤيدين بها، لكنها لم تشكل أزمة قاصمة؛ لأنه أمكن باستمرار إلقاء اللوم على مؤسسات أو مسؤولين آخرين، والأهم أن تفجر الأزمة تزامنا مع اشتعال المواجهة مع «الإخوان»، وهو الأمر الذى دفع كثيرين إلى صرف النظر عنها حتى لا يتم استخدامها كسلاح فى يد «الجماعة».

قرارات رفع أسعار الوقود فى بداية حكم السيسى كانت مثل طعنة مباغتة فى ظهور بعض المؤيدين من محدودى الدخل، لكن أمكن تطويق التداعيات السلبية لهذه الأزمة سريعاً، خصوصاً أن الحجج والذرائع التى تم تقديمها للإقدام على تلك القرارات كانت منطقية ومقنعة، رغم ثقل الأثر على الطبقات الأكثر احتياجاً.

ثقة الرئيس الكبيرة ووعوده المتكررة بالقضاء على الإرهاب فى سيناء فى فترة زمنية محدودة، دفعت كثيرين إلى التشكيك فى مواقف الرئيس وتصريحاته، بعدما اتضحت صعوبة إنهاء التهديد الإرهابى فى شبه الجزيرة، واستمرار التضحيات التى يبذلها أبناؤنا من العسكريين والمدنيين هناك. لكن هذا الأمر لم ينل من شعبية الرئيس بالشكل الواضح، لأن قطاعات كبيرة فى الجمهور تدرك صعوبة المواجهة مع المليشيات الإرهابية، فى ظل الدعم الكبير الذى تتلقاه من قوى إقليمية ودولية كارهة.

يستخدم كارهو السيسى ونقاده مشروع قناة السويس كوسيلة للكيد له والنيل منه الآن، ويبلع كبار المؤيدين ألسنتهم غير قادرين على الدفاع عن المشروع، الذى تم الترويج له باعتباره حلاً سحرياً لأزمات التنمية والاقتصاد فى مصر.

الأمر ذاته يمكن تكراره عند الحديث عن المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى شرم الشيخ، وهو المؤتمر الذى وصفه الرئيس نفسه بأنه «ذراع مصر». لقد انتهى المؤتمر، كما جرت المياه فى الفرع الجديد للقناة، من دون أن يحدث تغيير ملموس فى حياة المصريين الاقتصادية والتنموية.

تثور تساؤلات خطيرة وجدية فى شأن تقاعس مؤسسات الدولة عن تفعيل الاتفاقيات التى تم إبرامها فى المؤتمر الاقتصادى، وتثور تساؤلات أخطر بشأن جدوى حفر تفريعة جديدة فى قناة السويس بمليارات الدولارات، وكلها تساؤلات تخصم من شعبية السيسى وتهز الثقة به، لكنها لا ترقى إلى ما جرى خلال الأسبوع الماضى.

فى الأسبوع الماضى، كان أعداء السيسى وكارهوه مرتاحين، لأن القضية التى يستخدمونها واضحة ومحسومة وسخية ومنطقية، وكان المترددون أقرب إلى انتقاده والتشكيك فى موقفه، وبات معظم الأنصار فريقين؛ أحدهما يبحث عن ذرائع أو قصاصات أوراق أو صور تثبت ملكية السعودية لجزيرتى «صنافير»، و«تيران»، وثانيهما يخوّن من يريد أن تحتفظ مصر بسيادتها على الجزيرتين، وهو أمر يوضح إلى أى حد أصبح كلا الفريقين بائسا ومهترئا وسخيفا.

لا يبحث هذا المقال فى مدى «مصرية» الجزيرتين أو «سعوديتهما»، ولا يناقش أبعاد القرار المصرى وتداعياته، لكنه يشير فقط إلى أن الرجل الأكثر شعبية فى مصر، والأكثر تمتعاً بالثقة، بات على المحك، للمرة الأولى منذ اعتلائه سدة السلطة عملياً ورسمياً.

إن امتلاك رصيد سياسى وشعبى كبير مسألة تبعث على الارتياح والثقة، لكن الاعتقاد بأن الأرصدة الكبيرة لا يمكن أن تنفد مهما أسأنا التصرف بها خطأ وكارثة. والمثل يقول «خذ من التل يختل».