مازلنا نذكر عبد الناصر عندما زادت النكات اللاذعة حوله بعد هزيمة 1967 واضطر إلي إثارة موضوع النكتة في خطبة الاحتفال بعيد الثورة الذي حل بعد شهر من هزيمة 67 « أنا عارف الشعب المصري كويس.. ما هو أنا منه واتربيت فيه.. كل واحد يقابل واحد يقول له سمعت آخر نكتة ويحكي. الشعب المصري يسمع أي حاجة وينكت عليها» وفي مقطع اخر « أنا نفسي كنت باسمع النكت برضه.. برضه واحد بيقول لي سمعت اخر نكتة.. زي ما بتقولوا لبعض.. وطبيعتنا احنا كمصريين.. وأنا عارف الشعب المصري.. دا شعب عمره ٧ آلاف سنة وقهر كل الغزاة.. كسرهم.. كل اللي جم هنا خلص عليهم من «قمبيز» إلي «نابليون» وقعد ينكت عليهم». عبد الناصر نفسه بكل قوته لم يطلب من الشعب المصري أن يكف عن التنكيت لأن هذا من رابع المستحيلات.
وعلي نفس النهج فقد قابل المصريون حادث اختطاف الطائرة المصرية صباح يوم الثلاثاء وهبوطها بقبرص بسيل من السخرية وتحول الموضوع إلي نكتة متداولة في الشارع الافتراضي والواقعي فكرتنا كلنا بفيلم ملك الكوميديا عادل امام « الإرهاب والكباب « خاصة عندما اتضح ان الدافع وراء خطف الطائرة عاطفي وان الخاطف لا يحمل متفجرات. وفي الوقت الذي يعتبر فيه العالم كله أن خطف الطائرة كارثة فإن المصريين اعتبروها نعمة كبيرة وانتشرت موجة سخرية عارمة اشتركت فيها كل فئات الشعب المصري علي مواقع التواصل الاجتماعي وعبر هاشتاج #عشانك - ياساره-خطفت-طياره و#ياريتني-كنت-معاهم وغيرها. بل ان الرئيس القبرصي نفسه قد قال ساخرا: «لا يوجد عمل إرهابي ولكن النساء دائما سبب للأحداث».
ظهرت صورة للفنان طلعت زكريا وهو يرتدي ملابس طيار ويمسك جهاز لاسكي ويهدد الركاب «اخوانا اللي علي الطيارة المخطوفة إللي هشوفه بيعمل حركة كدا ولا كدا، ورحمة أمي الغالية لأنزله في اسكندرية».
وصورة لطائرة ايجيبت اير تحمل لافتة « ايجيبت اير تطير بك إلي حبك «.
«احجز معنا للغردقة الخميس 7 ابريل يمكن تتخطف وتروح قبرص بـ 180 جنيه بس ومين عارف يمكن الزهر يلعب وتروح فرنسا او إيطاليا».
صورة لطائرة ركاب مصرية والركاب المخطوفون يقولون فيها «أخيرا لعبت يا زهر».
«أحد الركاب بيقول كانت تجربة لذيذة ما بتحصلش غير مرة في العمر «
«مش قلت لك يا منار... حاشتهر وابقي ستار».
وأرسل لي صديقي ما كتبه أحد الركاب عما شاهده بنفسه خلال الحدث وانشر لكم مقطعا مما كتب فهو يبين خفة دم المصريين سواء كاتبها او ركاب الطائرة انفسهم في مواجهة حدث جلل كخطف طائرة هذا بالإضافة إلي الصور السيلفي التي لم ينس الركاب المخطوفون وكذلك طاقم الطائرة اخذها مع الخاطف:
«يوم لن أنساه أبدا. بالطبع تجربة مؤلمة جدا أن تكون علي متن طائرة مختطفة في وسط البحر مع وجود رجل في الجزء الخلفي من الطائرة يدعي أن لديه متفجرات. معظم الركاب التزموا الهدوء، إلا أنه كالعادة لم يخل الامر من ان تكون للركاب نوادرهم المضحكة. فقد قام شاب مصري بالاتصال بكل عائلته وأصدقائه واحدا تلو الآخر في عز محنة الطائرة عندما كنا علي وشك الهبوط إلي قبرص قائلا وبصوت عال جدا «آنا مخطوف يا محمد، آنا مخطوف يا فاطمة، وما إلي ذلك).. وهناك ايضا زوج اتصل بزوجته ليخبرها عن بعض المال الذي كان يخبئه في أحد البنوك والمضحك هو ان زوجته نسيت كل شيء عن الاختطاف وطلبت منه تكرار اسم البنك.. اما الراكب الثالث فقد تمكن من الحفاظ علي دجاجة مجمدة (بلدي كما يقول) طوال الطريق حتي وجدوها في حقيبة يده عند صعوده علي متن الطائرة خلال عودتنا إلي القاهرة، وكان غاضبا جدا لانهم أخذوا منه فرخته البلدي حتي اخبره الامن لإنهاء هذه المناقشة العبثية أنهم سوف يضعونها له في الثلاجة وتركوه وهو يهتف « تعدوا الحزام وتاخدوا مني الفرخة ؟». راكب اخر كان نائما واستيقظ علي مفاجأة هبوطنا في قبرص بدل القاهرة وكان رد فعله «ليه بس قبرص؟!.. كدة حاتفوتني طيارتي الترانزيت».
و أخيرا.. «إذا توقف المصريون عن النكتة فهنا لابد أن نقلق»..