Translate

Friday, April 8, 2016

ريجينى.. والأرشيدوق! بقلم عباس الطرابيلى ٨/ ٤/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

لا أدرى لماذا أتذكر ولى عهد النمسا، الأرشيدوق فرانسيس فيردناند، الذى اغتيل فى مدينة سراييفو «اليوغوسلافية السابقة»، وكان هذا الحادث هو السبب المباشر لاشتعال الحرب العالمية الأولى.. إذ أطلق الإرهابى الصربى جافريلو برنسيب الرصاص على الأرشيدوق «ولى عهد النمسا والمجر» يوم ٢٨ يونيو ١٩١٤، واعتقدت النمسا والمجر أن حكومة الصرب وراء هذا الاغتيال، فأعلنت الحرب على الصرب، لتأخذ بثأره.. وأيضاً تأخذ بثأر قديم.. وهى الحرب التى استمرت حتى نوفمبر ١٩١٨ ومات بسببها نحو ١٠ ملايين جندى، وجرح نحو ٢١ مليوناً، ولا أحد يعرف عدد المدنيين الذين ماتوا من المرض والجوع، ونتج عنها سقوط إمبراطوريات وصعود أخرى.. مع إعادة تقسيم دول أوروبا كلها بلا استثناء.
ولكن ما العلاقة بين الإيطالى جوليو ريجينى والأرشيدوق.. إنهما مجرد فرد هنا «اختفى وقتل فى مصر»، والثانى فرد أيضاً لقى مصرعه بيد إرهابى من الصرب، ولكن فى البلقان.. وكانت البلقان هى أخطر بؤر النشاط والثورات والقلاقل فى العالم كله.. فهل مصر كذلك الآن.. رغم أنها أول من تنبه لمخاطر الإرهاب الذى ارتدى ثوباً عالمياً، ويهدد الآن دول العالم.. رغم أن منابعه من الشرق الأوسط.
كانت النمسا والمجر آخر إمبراطورية فى أوروبا، وكذلك كانت الإمبراطورية العثمانية آخر إمبراطورية إسلامية، ولكن فى الشرق الأوسط.. وكان الهدف هو إسقاط الإمبراطوريتين لتنمو مكانهما دول أخرى فى أوروبا.. وفى آسيا.. ولكن هل كان ريجينى الذى جاء مصر باحثاً عن العلم، مجرد طالب علم.. أم كان وراء غطاء العلم وجه حقيقى، خصوصاً أنه جاء فى أخطر فترة تمر بها المنطقة.. فكان هو الصورة الحديثة المتطورة للعسكرى البريطانى لورانس، الذى جاء أيضاً فى فترة خطيرة تمر بها المنطقة العربية.. إلى أن تحول إلى أكبر مستشار يقف وراء ما يسمى الثورة العربية الكبرى.. أم هو طبعة أخرى من الجنرال جلوب، العسكرى البريطانى الذى توغل فى الوجود العسكرى «البدوى» ليصبح الذراع العسكرية للأمير - ثم الملك - عبدالله ابن الشريف حسين، أمير مكة خلال الحرب العالمية الأولى.. ثم أصبح - بعد إنشاء إمارة شرق الأردن التى تحولت إلى المملكة الأردنية الهاشمية - قائداً للجيش الأردنى، أى الفيلق العسكرى الأردنى، إلى أن نحّاه جانباً وعزله الملك حسين بن طلال بن عبدالله بن الحسين بن على، فى فترة المد العربى فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى؟!
هل جوليو ريجينى هو الصورة الحديثة «المطورة» التى جاءت للمنطقة فى أخطر فتراتها.. ثم لماذا تم قتله وتصفيته.. إلى درجة «الإصرار» على إخفاء دلائل قتله.. أم للجريمة بعدها الاقتصادى الكبير، أى صراع على المغانم الاقتصادية، التى تلوح فى الأفق.. خصوصاً فى تجارة السلاح الآن.. ثم السعى للفوز بحصة كبرى من عمليات إعادة التعمير والبناء، خصوصاً أن إيطاليا هى أكبر شريك اقتصادى أجنبى يعمل فى مصر، وتتنافس - فى ذلك - مع بريطانيا وأيضاً مع إسبانيا.. وهى، أى الثلاثة، تحتل المراكز الثلاثة الأولى اقتصادياً.. مع مصر.. أم أن ريجينى كان عيناً لإيطاليا على ما يجرى فى مصر، بحكم أن إيطاليا كانت الدولة الأولى بالرعاية فى ليبيا، التى كانت أيضاً خاضعة للاحتلال الإيطالى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.. ثم أصبحت لها مكانتها طوال العصر الملكى السنوسى، وكذلك استمرت فى موقعها المتميز.. خلال حكم القذافى؟!
وهل توجد «أصابع ليبية» فى قضية اختفاء، ثم تصفية، ريجينى بهذه الطريقة.. أم هناك أصابع أخرى غير إيطالية فى القضية، انطلاقاً من نظرية الصراع الاستعمارى الحديث على «الكعكة الليبية»، بحكم أن ليبيا هى أكبر منتج ومصدر للبترول فى شمال أفريقيا.. وأنها صاحبة أكبر رصيد مالى يتواجد خارج ليبيا؟!
■■ أستطيع أن أقول إنها ليست مجرد جريمة قتل عادية.. بل إن ٩٠٪ منها لها دوافع سياسية: أوروبية - أمريكية - شرق أوسطية، وأيضاً أصابع تركية، ليس فقط بحكم أن ليبيا كانت ولاية عثمانية حتى احتلتها إيطاليا.. وعلينا أن ننظر إلى قضية ريجينى من هذا المنطلق السياسى، الذى لم يطرحه أحد من قبل.. ثم نترك لفرق البحث الجنائى، بعد ذلك، الوقت لمحاولة تسليط الضوء على هذه الجريمة التى تستهدف أساساً الإساءة إلى مصر.. وإلى ضرب علاقتها المميزة للغاية.. مع الصديقة: إيطاليا!!

No comments:

Post a Comment