Translate

Saturday, April 9, 2016

روبرت فيسك يكتب: سياسة «واحد مقابل واحد» يدفع ثمنها اللاجئون ٩/ ٤/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

نقلًا عن صحيفة «إندبندنت» البريطانية
إن الكاريكاتير الذى رسمه مارتين تونر بصحيفة «أيريش تايمز»، هذا الأسبوع، هو الأكثر تعبيراً وتجسيداً لفضيحتين كبيرتين، وُصم بهما قادة العالم ورجالاته.
ويظهر على الجانب الأيسر من الكاريكاتير رجل أعمال بدين الهيئة وثرى يحمل ثروته فى جعبته، ويخطو خطوة واحدة بقدمه إلى الجزيرة التى يريدها فيصلها. وأرفق «تونر» بالرسم تعليقا يقول: «منذ قديم الزمان، اعتاد الأثرياء تهريب أموالهم خارج حدود بلادهم ليتجنبوا دفع الضريبة»، بينما يظهر على الجانب الأيمن من الرسم صورة لمجموعة من اللاجئين داخل زورق مطاطى يصارعون الأمواج، وأرفق بالرسم تعليقا يقول: «منذ قديم الأزل، اعتاد الفقراء أيضاً حمل أمتعتهم إلى خارج بلادهم ليتجنبوا الحرب».
بالطبع، بفضل الفقراء أصبحت تركيا تحصل على ٣ مليارات يورو من الاتحاد الأوروبى كل عام، وحصل مواطنوها على امتياز تسهيل الحصول على تصريح لدخول دول الاتحاد، التى يخاطر الفقراء بحياتهم من أجل الدخول إليها.
لا تكمن المشكلة فحسب فى هذا أو حتى فى الطريقة التى قام بها الاتحاد الأوروبى بتعبئة أول زورق حمل العائدين من اللاجئين مع الباكستانيين الذين لم يكونوا على قدر التأهيل الكافى لاستثارة تعاطفنا وشعورنا بالشفقة إزاءهم، ومن ثم لم تهتم القنوات التليفزيونية بعرض صورهم على شاشاتها، وهم منكسو الرؤوس فى رحلة عودة امتثلوا فيها لأوامر وكالة حماية الحدود التابعة لدول الاتحاد الأوروبى «فرونتيكس»، والتى تعد المؤسسة الأقل تعرضاً للمساءلة والحساب على الإطلاق بين كل مؤسسات الاتحاد الأوروبى.. أعتقد أن القائمين عليها أناس لطفاء بطبيعتهم، لكنهم يميلون إلى ارتداء أقنعة الوقاية والنظافة عند التعامل مع مشكلة اللاجئين، رغم أن المراسلين ومسؤولى منظمات المجتمع المدنى، وحتى القرويين الذين تعاملوا مع اللاجئين، لم يظهروا أى حاجة للوقاية وحماية صحتهم من الحشود التى أتت إلى بلادهم من الشرق الأوسط، فهل مسؤولو «فرونتيكس» دوماً فى حالة صحية حساسة، أم أنهم يرغبون فى إعلام العالم بأن اللاجئين حاملو أوبئة، أم أنهم وغيرهم من رجال الشرطة ومسؤولى الأمن تخيروا هذه الأقنعة باعتبارها موضة نقلوها عن تنظيم «داعش»؟
أما بخصوص «اتفاقية واحد مقابل واحد» التى يتم بموجبها تبادل اللاجئين السوريين بين تركيا والاتحاد الأوروبى، فثمة سؤال يفرض نفسه بتوقيعها، ألا وهو: ما الذى تغير فى فهمنا الآن، أو بالأحرى رؤيتنا لطبيعة الدولة التركية، التى نسوق إليها أى لاجئ بمجرد عبوره شطآن اليونان؟
بالتأكيد، وعدت تركيا بأنها ستتبنى توجهات سليمة وطيبة وسترحب باللاجئين الذين يطرقون أبوابها، لكن أليس ثمة مشكلة فى طبيعة الدولة التركية؟ أليست تركيا هى الدولة التى داهم رجال أمنها الصحيفة الأكثر مبيعاً بها، واعتقلوا صحفييها؟ أليست هى البلد الذى ظل جيشه ينفذ مذابح ضد الأكراد لعقود، والذى يتطلع حاكمه إلى استعادة عهود السلطنة؟ أليست تركيا هى البلد الذى تصر حكومته على عدم الاعتراف بالإبادة الجماعية التى نُفذت ضد ١.٥ مليون من الأرمن عام ١٩١٥؟
أعتقد أن أى لاجئ أرمينى أتى من سوريا سيطلب نقله بسرعة إلى اليونان، بينما سيلتمس السورى الكردى فى اليونان أن تكون رحلة عودته من اليونان إلى تركيا بطيئة للغاية.
الواقع أننا بموجب سياسة «واحد مقابل واحد» نتخير وننتقى من نريد بقاءه ومن لا نريد، وهو ما سيجعل أبواب المفارقات والظلم، بل العنف، للأسف، مفتوحة على مصاريعها، ولعل ثمة العديد من الدلائل الموجودة بالفعل يمكن الإشارة إليها فى هذا الشأن، والتى رصدها الصحفى الألمانى فولفجانج باور، والمصور التشيكى ستانيسليف كروبار، وسجلاها فى كتاب معنون بـ«عبور البحار: مع سوريين وافدين إلى أوروبا»، جمعا فيه الكثير من الحقائق القاتمة والكئيبة عن «تجارة اللاجئين»، فى رحلة بدأها الصحفى الألمانى ومعه المصور التشيكى من مصر، وتعرضا للضرب على يد مهربين شباب فى طريقهم للشاطئ، ليتم القبض عليهم من قبل إحدى الدوريات.
الواقع أن أوروبا لم تفعل شيئاً من أجل إنهاء الحرب الأهلية فى سوريا، ويقول «باور» فى كتابه: «معظم حكومات أوروبا قالت إن فرض منطقة حظر جوى وأى تدخل عسكرى سيزيد الأوضاع سوءاً، ولكن مئات الآلاف من اللاجئين يأتون إليها بحراً عبر البلقان، بينما يرغب معظم وزراء الداخلية لدى دول أوروبا فى إغلاق حدود بلادهم فى وجه اللاجئين، ولم يبادر أى من هؤلاء الوزراء بتقديم استقالته على الرغم من غرق الآلاف بالبحر المتوسط نتيجة القرارات الخاطئة للحكومات».
بعدها يتطرق الصحفى لأعمال العنف التى شهدتها باريس العام الماضى، ويرصد الأهوال ومشاعر الرعب التى تمكنت من مواطنى فرنسا، معلقاً: «ما عاناه أهل باريس اليوم يعانيه السوريون كل يوم، ولكننا لا نأبه بمعاناتهم ولا نلتفت إليها»، ولا عجب إذن من ارتداء الأقنعة عند التعامل مع اللاجئين.

ترجمة- أمانى عبدالغنى

No comments:

Post a Comment