Translate

Monday, April 25, 2016

ما هذا الخَبل؟ بقلم د.صلاح الغزالى حرب ٢٦/ ٤/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

على مدى السنتين الأخيرتين دأب أشخاص مُعينون فى الإعلام المصرى العام والخاص على الإلحاح والتأكيد أن مصر تتعرض لمؤامرات خبيثة، يُخطط لها أعداء فى الداخل والخارج، هدفها ما يُسمونه «إسقاط الدولة»، وهو تعبير غائم غير مُحدد المعالم والمقاصد.. ولأنه كذلك فإن من يرددون هذا الكلام – حفاظاً على أوضاع فاسدة يستفيدون منها بلا شك – يكتفون بالتلويح بشعارات لا دليل عليها ولا سند مثل إسقاط مؤسسات الدولة وركائزها الأساسية التى هى فى نظرهم الجيش والشرطة والقضاء، يضعونها دائماً فى سلة واحدة على الرغم من الاختلاف الكبير فيما بينها من حيث الوظيفة والمهام والرسالة..
ويكتفون أيضاً باستغلال جهل عموم الناس بحقيقة الأوضاع السياسية بالمنطقة وتاريخها، فيثيرون مخاوفهم بضرب المثال بما يحدث فى دول مجاورة مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا من نزاعات وحروب أسبابها بالدرجة الأولى طائفية ونظم ديكتاتورية تحكمت فى مصائر هذه البلدان لفترات طويلة. يحرص أيضاً أصحاب نظرية المؤامرة المستمرة التى تحيكها قوى مختلفة من أنحاء العالم ومن الداخل على مصر على التأكيد بأن السلاح الأهم الذى يستخدمه هؤلاء المتآمرون هو التبشير بالديمقراطية والدعوة لها، وكثرة الكلام عن حقوق الإنسان وحفظ كرامته، وإثارة قضايا الفساد والانحراف! الشىء الغريب حقاً أن قطاعاً ليس بالقليل من أبناء هذا الشعب الطيب الغارق حتى أذنيه فى مشاكل حياته اليومية يؤثر فيه هذا الخبل الإعلامى، ويردده بدون أن يعطى نفسه فرصة للتدبر والتفكير فى هذا الذى يسمعه، وهو أمر طبيعى فى مجتمع مأزوم، يعانى أفراده معاناة لا مثيل لها فى الحصول على عمل أو سكن أو وسيلة انتقال آمنة أو فرصة للتعلم وتنمية مهاراته أو علاج لمرض أو حادث ألم به،
فضلاً عن عدم الشعور بالأمان الاجتماعى ضد غوائل الزمن أو الإحساس بالعدالة وتكافؤ الفرص، وفوق ذلك كله معاناته فى الحصول على ما يسد به رمقه هو وأهله ويبعد عنهم شبح الجوع والعوز. أسوأ ما فى هذا الموضوع كله أن هذه النغمة التى تصاعدت وتيرتها فى السنوات الأخيرة ومازالت، جاءت بعد ثورة شعبية عارمة فى ٢٥ يناير أحدثت دوياً هائلاً وانبهر بها العالم كله وهو يرى الشعب المصرى يخرج بعشرات الملايين ضد نظام ديكتاتورى فاسد مطالباً بالعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وبالتالى فإن عدم تحقيق أى تقدم يُذكر نحو تحقيق هذه الأهداف التى رفعها الثوار، بل والتراجع المخزى حتى عما كان قبل الثورة، قد أحدث درجة عالية من الإحباط والانهزام النفسى لدى قطاعات واسعة من الشعب المصرى، جعلت الأفكار السقيمة المُغرضة سهلة الانتشار والتصديق حتى بين كثير من المتعلمين الحاصلين على أعلى الشهادات سواء عن جهل سياسى أو لاستفادة خاصة يجنونها من المناخ الاستبدادى الذى يحبذونه ويتحمسون له، وزكاها بالتأكيد انتشار ظاهرة الإرهاب العالمى فى أماكن عديدة من العالم ومن بينها مصر التى يجد فيها التطرف الدينى أرضاً خصبة لنموه وانتشاره.
المؤسف أن مراكز الدراسات والرصد فى دول أوروبا وأمريكا قد استشعرت هذه التغيرات فى المزاج العام لشعوب المنطقة وليس فى مصر فحسب، حكاماً ومحكومين، وبدأت تقنع النخبة هناك بأن هؤلاء القوم الذين يسكنون فى منطقة متوسطة من العالم والتى هى مهد الأديان السماوية الثلاثة، هى منطقة ميئوس منها، فهم غير مؤهلين للديمقراطية والحرية لأسباب ثقافية ودينية، وأن النظم الاستبدادية هى الأفضل لهم، ودليلهم على ذلك– وهو صحيح إلى حد كبير- أن شعوب أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وحتى بعض الشعوب الأفريقية قد حدث فيها تحول ديمقراطى واضح وضعها على طريق التقدم والنمو بدون أن تشهد نزاعات أهلية وانقسامات. لقد كانت كلمات الرئيس السيسى فى حضرة رئيس فرنسا عن أن معاييرنا فى الديمقراطية وحقوق الإنسان تختلف عن أوروبا، وربطه بين ذلك وما سماه «سقوط مصر»، صادمة للكثيرين الحالمين بمستقبل أفضل على أرض هذا الوطن لأبنائهم وأحفادهم، وإن كانت فى نفس الوقت هدية تلقفها هؤلاء الفاسدون، خدم كل نظام استبدادى بكل السعادة والحبور!!
لا أعتقد أننى أضفت جديداً بما كتبته ولكنى أجده واجباً على كل وطنى مخلص فى هذا البلد ألا يدخر جهداً فى تكرار القول والتأكيد على أن الاستبداد لن يخلق نظاماً ناجحاً ولن يجلب استقراراً ولن يمنعه من السقوط.. النظام وليس الدولة.. إن كل من يستهزئ بمبادئ حقوق الإنسان المصرى واحترام كرامته هو ليس منا، بل هو خارج عن صفة الإنسانى..
وأنا هنا أسأل، ألم تشعر هذه الكائنات بالخجل والدنو وهم يسمعون والدة الباحث الإيطالى ريجينى الذى قُتل فى مصر بعد أن شاهدت آثار التعذيب عليه وهى تقول «لقد عاملت السلطات المصرية ابنى كما تعامل مواطنيها»! تباً لكم..


No comments:

Post a Comment