Translate

Monday, June 23, 2014

السيسى والحقيقة المطلقة بقلم د. مراد وهبة ٢٣/ ٦/ ٢٠١٤

قال الرئيس عبدالفتاح السيسى لوفد برلمانى بريطانى كان قد التقاه فى ١٤ يونيو من هذا العام أن «المصالحة السياسية يمكن أن تتم فقط مع مَنْ لم تتلوث أيديهم بدماء الأبرياء من المصريين ولكن على الطرف الآخر أن يحدد خياراته، وأن يوضح ما الذى يمكن أن يقدمه لمصر، وأن يكف عن الادعاء بأنه يملك الحقيقة المطلقة».
والسؤال إذن: ماذا تعنى هذه العبارات؟
إن لها ثلاثة معانٍ: المعنى الأول أن المصالحة مع القتلة أمر محال. والمعنى الثانى ماذا تريد لمصر أن تكون. والمعنى الثالث خطورة ملكية الحقيقة المطلقة. وأظن أن المعنى الثالث هو المعنى الذى يخص الوفد البريطانى لأنه يوجز فلسفة الإخوان المسلمين فى أنهم ملاك الحقيقة المطلقة. وهذه الفلسفة هى المطلوب معرفتها عندما أصدر رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون قراراً فى أول إبريل من هذا العام بضرورة معرفة فلسفة الإخوان المسلمين.
والسؤال إذن: ماذا تعنى ملكية الحقيقة المطلقة؟
للجواب عن هذا السؤال ينبغى التنويه بأن العلماء والفلاسفة انشغلوا بالبحث فى الملكية بوجه عام والملكية الزراعية والصناعية بوجه خاص. وقد ترتب على الملكية الزراعية نشأة النظام الإقطاعى وعلى الملكية الصناعية نشأة النظام الرأسمالى، أما ما يترتب على ملكية الحقيقة المطلقة من نظام فلم ينشأ حتى الآن. صحيح أن الفلاسفة قد انشغلوا بالبحث عن الحقيقة وتساءلوا: هل هى ممكنة أم مستحيلة؟ وأول مَنْ أثار هذا السؤال فى تاريخ الفكر الفلسفى هو الفيلسوف اليونانى بروتاغوراس الذى قدم إلى أثينا سنة ٤٥٠ ق.م. إلا أن إقامته فيها لم تستمر لأنه نشر كتاباً سماه «الحقيقة» لم تصلنا منه إلا شذرات. وفى إحدى هذه الشذرات عبارة تقول: «لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين» فاتهم بالإلحاد وحكم عليه بالإعدام وأُحرقت كتبه إلا أنه فر هارباً ومات غرقاً فى أثناء فراره. وفى القرن الثامن عشر حذر الفيلسوف الألمانى العظيم كانط من توهم اقتناص الحقيقة المطلقة. ومعنى ذلك أن ثمة قلقاً ليس من التساؤل عن الحقيقة ولكن من اقتناصها.
والسؤال إذن: ما الذى يقلق فى اقتناص الحقيقة المطلقة؟
يقلق فيها أن اقتناصها يمتنع معه البحث وبالتالى يمتنع التطور فتتوقف الحضارة إلى الحد الذى يمكن فيه أن تتوارى ويصبح الحديث عن أنظمة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بلا جدوى. وهنا ثمة سؤال لابد أن يثار: مَنْ يجرؤ عل القول بأنه اقتنص الحقيقة المطلقة؟
إنه الأصولى أيا كانت ملته الدينية. وإذا تعددت الأصوليات فالحرب لازمة حتى تنتصر حقيقة مطلقة واحدة على غيرها من المطلقات الأخرى. ومن الواضح أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الصراع بين الأصوليات من جهة والصراع بين الأصوليات كلها والعلمانية من جهة أخرى. وفى مقدمة الأصوليات المحاربة هى الأصولية الإسلامية ونموذجها حركة الإخوان المسلمين. انظر ماذا حدث عندما استولت على الحكم؟ شاع النهب والقتل أو بالأدق شاع الإرهاب، وانتقلت العشوائيات من الهامش إلى المركز بموافقة رئيس الدولة الأصولى وحزبه المسمى «الحرية والعدالة». والنتيجة الحتمية هزيمة الحضارة. وأظن أن هذه التجربة المصرية باستيلاء ملاك الحقيقة المطلقة على الحكم هى التى دفعت دول أوروبا إلى إعادة النظر فى فلسفة الإخوان المسلمين. وجاءت عبارة الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن المطلوب من حركة الإخوان أن تكف عن الادعاء بأنها تملك الحقيقة المطلقة. إلا أن المفارقة هنا تكمن فى أنه مع افتراض حدوث هذا الكف عن الادعاء فإن الإخوان المسلمين لن يكونوا إخوانا مسلمين.

No comments:

Post a Comment