Translate

Monday, June 23, 2014

رسالة الثورى العميل بقلم د. يحيى الجمل ٢٣/ ٦/ ٢٠١٤

قرأت الرسالة المؤلمة التى وجهها «الثورى الخائن العميل» للدكتور علاء الأسوانى، الذى نشرها كاملة فى مقاله الأسبوع الماضى فى «المصرى اليوم» والرسالة مؤلمة ومحزنة بحق، وكل عبارة فيها تنضح بالصدق والألم معاً كما أنها أيضاً تعبر عن قنوط ويأس، وهذا هو ما قد أسمح لنفسى بالاختلاف فيه مع كاتب الرسالة. كذلك فإن تفكيره بل وإصراره على الهجرة هو أمر مؤلم ومحزن فى آن واحد.
يا بنى أنا أشعر بك وأشعر بصدقك وأتألم لألمك. ولكنى مع ذلك لا أوافق على الحل الذى تفكر فيه ألا وهو الهجرة. اسمح لى أن أقول لك إن هذا ليس حلاً وإنما هو نوع من الهروب، وما أظن أن الهروب من مواجهة المشاكل كان حلاً مثالياً فى أى يوم من الأيام وبالنسبة لأى مشكلة من المشاكل.
لماذا أقول لك هذا كله؟
سأقول لك وأرجو أن تفكر فى كلامى بهدوء. لأنى أحببتك فعلاً وأحسست بكل ما يعتمل فى نفسك من مرارة وإحباط بل وأتصور من قراءتى لرسالتك ومن نشاطك السياسى أنك تعرفنى وإن كنت لا أعرف طبعاً رأيك فى شخصى وفى طريقة تفكيرى. هذا إذا فرض أنك فعلاً تعرفنى. وأنت صاحب حق كامل فى أن تظن بى ما تشاء. ولكنى من ناحيتى أحسست بالصدق والألم فى كل كلمة من رسالتك للصديق الدكتور علاء الأسوانى واسمح لى أن أختلف معك فى النتائج التى رتبتها بالنسبة للشعب المصرى، كذلك اسمح لى أن أختلف معك فى النتيجة التى انتهيت إليها.
الشعب المصرى قام بثورتين الأولى فى ٢٠١١ ومن الواضح أنك شاركت فيها، ذلك أنك تقول إنك عشت ١٨ يوماً فى ميدان التحرير هى أسعد وأجمل أيام حياتك وانتهت هذه الثورة بإزاحة نظام حسنى مبارك. صحيح أن الثورة لم تحقق كل ما كانت تطمح إليه لأنها فعلاً ثورة لم تكتمل ولكن قل لى بالله عليك أين هى الثورة التى قامت واكتملت فى بضعة أسابيع. تجارب الثورات أمامنا وأنت باعتبارك من خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تشهد بذلك وتعرفه.
هذا عن الثورة الأولى التى أطاحت بحكم حسنى مبارك، أما الثورة الثانية فكانت فى يونيو ٢٠١٣ وأطاحت بطغيان بشع وبتخلف لا مثيل له، محاولاً أن يرتدى ثوب الإسلام والإسلام منهم برىء. وقد أفلح هؤلاء عندما حكموا مصر فى أعقاب الثورة الأولى، أفلحوا فى أن يجعلوا الشعب المصرى يعرفهم على حقيقتهم ولفظهم فى ثورته الثانية.
وأنت تقول فى رسالتك للدكتور علاء إنك شاركت فى ثورة ٣٠ يونيو أيضاً، كما شاركت من قبل فى ثورة ٢٠١١ لأنك كنت تعتبر أن التخلص من عصابة الإخوان المسلمين كان واجباً وطنياً ثورياً يجب ألا تتخلف عنه وحسناً فعلت.
كل هذا أوافقك عليه بل أؤيدك فيه.
ولكن حاذر يا بنى من التعميم وإساءة الظن بكل شىء. فأنت مثلاً تتحدث عن المجلس القومى لحقوق الإنسان باستخفاف وترى أن أعضاءه يستأذنون وزارة الداخلية قبل كتابة تقاريرهم.
هل تعلم يا بنى أن الرئيس القومى للمجلس، وهو الأستاذ الدكتور بطرس غالى، كان فى يوم من الأيام أميناً عاماً للأمم المتحدة وهو الوحيد الذى لم توافق أمريكا على أن تجدد له مدة ثانية بالخلاف لكل من جاء قبله ومن جاء بعده. هل تعرف لماذا؟ لأنه لم يرد أن يحجب جريمة بشعة من جرائم إسرائيل معروفة باسم مذبحة قانا، فلما أذاعها أستاذنا بطرس غالى ولم يحجبها لم توافق الأمم المتحدة بتوجيه من الولايات المتحدة على التجديد له مرة ثانية.
كذلك فإن الرئيس الفعلى للمجلس القومى لحقوق الإنسان الآن هو الأخ محمد فائق الذى كان وزيراً للإعلام فى عهد جمال عبدالناصر والذى اعتقله الرئيس السادات فيما عرف باسم الإطاحة بمراكز القوى. وطلب من محمد فايق أن يكتب اعتذاراً بسيطاً لكى يفرج عنه وكنت على ذلك من الشاهدين ولكنه رفض وظل فى المعتقل إلى أن خرج مع زملائه الآخرين.
ألا ترى يا بنى أن مثل هؤلاء لا يستأذنون وزارة الداخلية قبل أن يكتبوا تقاريرهم.
هكذا فإن الثورتين وإن لم تحققا أغراضهما كاملة – كما تقول وكما نقول جميعاً - إلا أنهما مع ذلك حققا الشىء الكثير.
أنا أؤيدك عندما تفكر فى السفر إلى جامعة لندن حيث يوجد بها معهد للدراسات الاقتصادية المتميزة وإن كانوا مازالوا يسمونه وفقاً للتقاليد الإنجليزية «مدرسة» وهى من أفضل الأماكن فى العالم لدراسة الاقتصاد وقد درس فيها من جيلنا الأستاذ الدكتور حازم الببلاوى أستاذ الاقتصاد الشهير ورئيس مجلس وزراء مصر الأسبق ومن يدرى يا بنى لعلك بعد دراستك فى تلك المدرسة- والتى أتوقع لك النجاح فيها أن تعود لكى تصبح أستاذاً كبيراً ورئيساً لمجلس الوزراء فى فى يوم قادم بإذن الله.
وأنت توجه كلاماً للشعب المصرى لا يقوله ثورى مثلك عندما تقول: أيها المصريون – هكذا فى تعميم غريب – أنتم لا تحتاجون إلى الثورة ولم تفهموها ولا تستحقوها.
ثم تقول فى استعلاء شديد: سأترك لكم «هذا المستنقع» وتعنى به مصر وسأسافر إلى لندن. وأنك قررت الهجرة.
يا بنى فى أى بلد هاجرت إليه ستكون مواطناً من الدرجة الثانية ولن تشعر أبداً بما تريد أن تحققه لنفسك وذاتك من مكان ومكانة. يا بنى أنا أشعر بآلامك وأحزانك ولكنى لا أوافق على فكرة الهجرة فإنك إذا هاجرت ستزداد اغتراباً وحزناً على حزن وستحن يوماً إلى أمك أعنى بها مصر.
يا بنى ابق وكافح ونافح وستصل أنت وزملاؤك يوماً من الأيام إلى ما تريدون بإذن الله.
عاشت مصر أمنا جميعاً ولتبق يا بنى فى حضن أمك مصر فلن يكون هناك أحن عليك منها.. والله يحفظك ويحفظ مصر.

No comments:

Post a Comment